دخول
بحـث
المواضيع الأكثر نشاطاً
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
دوام بتولية العذراء
صفحة 1 من اصل 1
دوام بتولية العذراء
الفصل الرابع
مريم العذراء فى عقيدة الأرثوذكس
تؤمن الكنيسة القبطية الأرثوذكسة بأن مريم العذراء هى الدائمة البتولية، فقد كانت مخطوبة ليوسف النجار وبعد موت يوسف النجار لم تخطب أو تتزوج من أى شخص آخر، فهى لم تعرف رجلا قط كل أيام حياتها بمعنى العلاقة الزوجية والجسدية بين الأزواج، فقد كانت مريم هى العذراء قبل الحبل بيسوع المسيح وأثناء الحبل بيسوع وظلت عذراء بعد ولادة يسوع المسيح حتى آخر يوم فى حياتها على الأرض.
مكانة مريم العذراء فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية:
1- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تكرم السيدة العذراء الإكرام اللائق بها دون مبالغة أو إقلال من شأنها. فهى القديسة المكرمة والدة الإله المطوبة من السمائيين والأرضيين, دائمة البتولية العذراء كل حين, الشفيعة المؤتمنة والمعينة, السماء الثانية الجسدانية أم النور الحقيقى التى ولدت مخلص العالم ربنا يسوع المسيح.
2- مريم العذراء هى الإنسانة الوحيدة التى إنتظر الله آلاف السنين حتى وجدها ورآها مستحقة لهذا الشرف العظيم "التجسد الإلهى" الشرف الذى شرحه الملاك جبرائيل بقوله "الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلىّ تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منكِ يدعى أبن الله" (لوقا 35: 1). لهذا قال عنها الكتاب المقدس "بنات كثيرات عملن فضلاً أما أنت ففقتِ عليهن جميعاً " (أمثال 29: 31)
3- هذه العذراء كانت القديسة كانت فى فكر الله وفى تدبيره منذ البدء ففى الخلاص الذى وعد به آدم وحواء قال لهما "أن نسل المرأة يسحق رأس الحية" (تكوين 15: 3) هذه المرأة هى العذراء ونسلها هو المسيح الذى سحق رأس الحية على الصليب.
4- تحظى مريم فتاة الله بمكانة عظمى في قلب معظم الذين انتسبوا الى المسيح المخلّص، ولها في قلوبهم محبة كبيرة. غير أن هذا لا يمنع القول ان مسيحيّي العالم -وإن قالوا، على العموم، قولا واحدا في حقيقة تجسد ابن الله الوحيد- لا يتفقون في وصف مريم وتكريمها ولا في تحديد مساهمتها في خدمة السرّ "الذي قبل الدهور".
5- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تقدم السلام للعذراء مريم بخشوع كثير واحترام كما قدمه لها الملاك ولكن بلا عبادة.
6- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تكرم العذراء كأم الاله تكريما يفوق كل كرامة لاى ملاك او رئيس ملائكة وفوق الشاروبيم والسارافيم ايضا.. ولكن تكريمنا لها يحدده قولها * هوذا انا امة الرب * فهى فى تقليدنا عبده وامة خاضعة لسلطان الله.. فكأم الاله نكرمها ونعظمها جدا ونتشفع بها، وكأنسانة لايمكن ان نعبدها.
7- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تمجد العذراء لا كملكة السماء تجلس بمفردها.. ولكن كملكة تقف عن يمين الملك *قامت الملكة عن يمين الملك* حيث الوقوف لايؤهلها للمساوة كما فى حالة المسيح حينما جلس عن يمين ابيه
8- فى التقليد الكنسى يحتم فى الايقونة القبطية ان ترسم العذراء حاملة للمسيح على ذراعها الايسر *قامت الملكة عن يمين الملك* ولاتقبل الكنيسة ان تقدم تمجيدا للعذراء بشخصها بمفرده ولكن تمجدها كعذراء وكأم معا.
9- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ترى ان مجد ام الاله مكتسب بسبب امومتها للرب يسوع، وليس طبيعيا لذلك لانقدمه لها فى شكل عبادة وانما فى صورة تكريم فائق.
10- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ترى ان نصيب مريم فى استعلان المجد العتيد سيكون غير منفصل عن جسد المسيح الذى سيجمع البشرية كلها معا كانسان كامل رأسه المسيح، غير ان نصيبها سيكون فائقا بالضرورة وعلى كل وجه انما غير منفصل عنا.
11- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تقدم البخور لله امام ايقونة مريم العذراء الحاملة يسوع المسيح لان مريم اصبحت هى الهيكل الجديد الذى احتوى الحمل المقدس المعد للذبيحة، لذلك اصبح لائقا ان يقدم امامها بخور لله لكى تشفعه هى بصلواتها عنا.. فيرفع البخور امام الله حاملا صلواتها وصلواتنا.
12- تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية أن العذراء بما أنها صارت أم الإله المتجسّد, فقد أصبحت أيضًا أمًّا لكلّ الذين صار ذاك الإله أخا لهم بالتجسّد: "لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا السَّبَبِ لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً . فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا" (عبرانيين 2: 11-14).
لقب مريم العذراء والدة الإله:
- مريم العذراء هى "والدة الإله" theotokos، وهو اللقب الذي منحه اياها المجمع المسكوني الثالث المنعقد في افسس في العام 431م
- مريم العذراء هى "والدائمة البتولية" aeparthenos، وهو اللقب الذي جاء به المجمع المسكوني الخامس المنعقد في القسطنطينية في العام 553م.
- مريم العذراء هى "الكلية القداسة" panagia، فلم يحدَّد عقائديا، ولكنه مقبول ويستخدمه جميع الارثوذكسيين في العالم.
- ميزت الكنيسة الأرثوذكسية في تعليمها عن مريم بين اصطلاحي "العبادة" و"التكريم"، فهي لا تدعو، مطلقا، الى عبادة مريم كعبادة الله، وإنما تكرمها وتعظّمها لأن "إلهاً حقا وُلِدَ منها" (يوحنا الدمشقي)، وهي بذلك تطيع ما جاء على لسانها في انجيل لوقا: "ها منذ الآن (اي منذ قبولي الإلهَ في أحشائي) تكرمني جميعُ الأجيال" (لوقا 1: 48).
- تحمل عبارة "والدة الإله" تراثا إيمانيا ذا قيمة لاهوتية عظيمة، فاللفظة اليونانية تعني "حاملة الإله" اي التي حملت الإله في رحمها، وقد وُضعَ فحواها اولا على لسان أليصابات زوجة زكريا الشيخ التي لفظت ذاك النداء التعظيمي "من اين لي هذا أن تأتي أم ربّي اليّ؟" (لوقا 1: 41-43)، (غلاطية 4: 4)، وقد إنتشر ذلك اللقب وانتشر انتشارا واسعا منذ بدء المسيحية وفق شهادة إكليمنضس الإسكندري.
- استعمل لقب والدة الإله كثير من الآباء الأولين مثل: هيبوليتس، واوريجانس الذي شرحها في تفسيره للرسالة الى كنيسة رومية، وديديموس الضرير، وألكسندروس بطريرك الاسكندرية الذي خطّها في رسالة وجهها الى مجمع عُقد ضد بدعة آريوس في الاسكندرية في العام 320 (اي قبل المجمع المسكوني الاول بخمس سنوات)، وكيرلُّس الاورشليمي، وغريغوريوس النيصصي، وكيرلُّس الاسكندري وغيرهم، مما يؤكد انها كانت معروفة ورائجة قبل أن سطرها الآباء عقيدةً في مجمع أفسس. ويقول الاسقف كاليستوس (وير): إن تسمية والدة الإله "مفتاحُ العبادة الارثوذكسية الموجّهة الى العذراء"، وذلك اننا "نكرم مريم لأنها والدة إلهنا، ولا نكرمها منفصلة عنه وإنما بسبب علاقتها بالمسيح" (انظر الايقونات الارثوذكسية التي تظهرهما دائما معا، ولا تصوّر مريم من دون ابنها). ويتابع الأسقف بقوله: "إن التعليم الارثوذكسي المتعلق بوالدة الاله منبثق من تعليمها الخاص بالمسيح وحين أكد آباء مجمع أفسس (تسمية مريم بوالدة الإله)، لم يكن ذلك بقصد تمجيدها بل من اجل الحفاظ على العقيدة الحق المتعلقة بشخص المسيح"، ويخلص الى القول: "وأولئك الذين يرفضون تكريم مريم هم انفسهم اولئك الذين لا يؤمنون حقا بالتجسد".
- لقب "والدة الإله"، ليس لقب تكريمي فقط لمريم وإنما هو ضرورة لاهوتية تحتّمها، كما يقول القديس كيرلُّس الاسكندري، "حقيقة التجسد"، ولا يمكن لأحد أن يرفض هذه الحقيقة ويُقبَل في الإيمان الحق. فمريم هي ام الرب، وهي أمنا.
- لا يوجد مسيحي يقول ان مريم ولدت الاهوت، والقول أن مريم أم الله المتجسد مقصود به الناسوت وليس الاهوت. ففى مريم تمّ أولاً الاتحاد بين الله والإنسان، إذ أن ابن الله اتحد ذاته بجسد إتخذه من جسد مريم، لذلك تدعو الكنيسة العذراء "والدة الإله" لأنها ولدت الإله المتجسّد.
- تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية أن منزلة العذراء تفوق الملائكة إذ قد أُهّلَتْ أن تحمل فى ذاتها ابن الله المتجسد الذى لا تسعه السموات ولا سماء السموات، فصارت هى هيكل حي للإله الذى: {لا تجسر طغمات الملائكة أن تنظر إليه}. لذلك تخاطبها الكنيسة منشدة: {يامن هى أكرم من الشاروبيم وأرفع مجدًا بغير قياس من السارافيم}، وأيضًا: {لأنه صنع مستودعك عرشًا وجعل بطنك أرحب من السماوات}.
تاريخ إنكار بتولية مريم العذراء:
تاريخ إنكار بتولية مريم العذراء يعود إلى القرن الأول الميلادى، حيث ظهرت بدعة الأبيونيون وهم مسيحيين من أصل يهودى إعتنقوا المسيحية وتعلقوا بالطقوس اليهودية التى تشبعوا بها وقتاً طويلاً فجاءت عقيدتهم خليطاً من المسيحية واليهودية وأنكروا لاهوت المسيح ولم يعترفوا بوجودة الإلهى قبل التجسد وأعتبروه مجرد إنسان عادى وبالتالى أنكروا ميلاده المعجزى من العذراء وقالوا إنه ولد كسائر البشر من أب هو يوسف وأم هى مريم.
ويقول أيريناؤس والمؤرخ يوسابيوس القيصرى أنهما تبعا ترجمة ثيودوسيون Theodotion الأفسسى وأكويلا البنطى Auila of Pontus الذان ترجما نبؤه أشعياء "هوذا العذراء تحبل وتلد أبناً إلى "هوذا الفتاه (The young woman) تحبل وتلد أبناً".
ثم جاء هيلفيدس (حوالى عام 382م) وأدعى أن مريم ويوسف قد تزوجا فعلاً بعد ميلاد المسيح وتبعه فى ذلك راهب هرطوقى يدعى جوفنياس (مات حوالى 405م) ويونسيوس أسقف يوغوسلافيا وحرمه مجمع كابوا (Capua عام 1391م)، وأتبع هذا الرأى فى العصور الحديثه بعض المفسرين من بعض الفرق البروتستانتيه المتطرفه كالأخوة البلموث وغيرهم، وشهود يهوه.
ولكن غالبيه المفسرين البروتستانت يؤمنون بدوام بتوليه العذراء.
وقد برزت العقيدة الخاصة بالقديسة مريم وتطورت خلال صراع الكنيسة ضد الهرطقات، كان ذلك لتأكيد حقيقتين تخصان السيد المسيح:
أ- أن يسوع المسيح قد ولد ميلادا حقيقيا من القديسة مريم، فلم يكن يسوع خيالا بل حمل جسدا حقيقيا مولودا من أم حقيقية.
ب- أن يسوع المسيح المولود من القديسة مريم هو ابن الله الأبدي الذي بلا بداية.
أما الأهم الهرطقات فهي الغنوصية والمانية والأريوسية والنسطورية.
1- الغنوصية:
تقوم أغلب النظم الغنوصية على الفصل ما بين الله الخالق والكائن الإلهي السامي. ففي نظر البعض أن العالم المادي هو شر جاء نتيجة سقوط الحكمة "صوفيا".
ويقسم الغنوصيون البشر إلى طبقتين أو ثلاث، هم:
أ- الروحيون، يتمتعون بإشراقة من الجوهر الإلهي الروحي، ويعودون إلى أصلهم أي إلى الكائن الإلهي السامي، وذلك بواسطة المعرفة (الغنوصية) وممارسة طقوسها.
ب- بقية البشر أي الجسدانيون أو الماديون، وهم منهمكون في العالم المادي مصيرهم الهلاك الأبدي.
ج- يضيف البعض طبقة ثالثة متوسطة، وهي جماعة المسيحيين غير الغنوصيين، هؤلاء يبلغون حالة وسطى خاصة بالله الخالق، وذلك خلال إيمانهم وأعمالهم الصالحة.
أما عن المسيح ففي نظرهم جاء عن الإله السامي، يقدم الغنوصية أي "المعرفة"، وهو كائن إلهي لم يأخذ جسدا بشريا حقيقيا ولا مات. بهنا لم يقبلوا تجسد المخلص ولا ولادته من امرأة.
إحدى الأشكال الغنوصية تدعى Docetism، وهي هرطقة هددت كيان الكنيسة الأولى، أخذت أسمها عن كلمة dokein اليونانية التي تعني "يبدو" أو "يظهر هكذا" إذ نادت هذه الهرطقة بأن يسوع المسيح لم يصر أنسانا حقيقيا بل بدى هكذا كأنه يحمل جسدا. أنه عبر في العذراء دون أن يأخذ من جسدها شيئا.
يقول القديس ايريناؤس أن ساتيرنانيوس (حوالي عام 120) قد أعلن بأن المخلص لم يولد، ولا تجسد ولم يكن له شكل... إذ يرى أن الزواج وإنجاب
وعلم أيضا فالنتينوس في القرن الثاني بأن السيد المسيح قد أتحد بالإنسان يسوع "الذي ولد خلال مريم وليس من مريم، عبر فيها كما من قناة".
أما مرقيون فعلم بأن يسوع لم تكن له نفس بشرية ولا تجسد أرضي. أنه لم يولد من مريم بل ظهر فجأة في اليهودية في تجسد خيالي كشخص كامل النمو مستعد للبدء في الخدمة حالا.
أما إبليس Appeles فقد قبل أن يكون للسيد المسيح جسدا حقيقيا، لكنه جسد سماوي، نزل إلى هذا العالم من السماء، وليس من مريم.
وقد حذر آباء الكنيسة مثل القديسين أغناطيوس أسقف أنطاكية ويوستين وايريناؤس والعلامة ترتليان والعلامة أوريجين المسيحيين من هذه التعاليم كما واجهوا الهراطقة مؤكدين حقيقة أمومة القديسة مريم بقصد تأكيد سر التجسد أي حقيقة ناسوتية المسيح.
كتب القديس أغناطيوس إلى أهل تراليا: "سدوا آذانكم عندما يحدثكم أحد من هؤلاء الذين يأخذون جنبا من يسوع المسيح، الذي هو من نسل داود ابن مريم، الذي ولد ميلادا حقيقيا.
2- المانية Manichaeism:
مؤسس هذه البدعة هو ماني أو مانس أو مانخيوس من القرن الثالث النظام الماني في أصله هو وليد التقاليد الغنوصية القادمة من شرق بلاد فارس والتي تقوم على افتراض وجود صراع بين النور والظلمة، وبين الله والمادة. أما هدف ممارسة الدين عندهم فهو أدراك عناصر النور التي أغتصبها الشيطان من عالم النور وسجنها في ذهن الإنسان، وأن يسوع وبوذا والأنبياء وماني أنما جاءوا لهذا العمل.
ظهور آدم كان غايته استعادة النور المسجون. أما يسوع "النور المتلألئ" فقد خلص آدم برؤيا.
والممارسات الدينية عندهم من امتناع عن أكل اللحم والزهد في الحياة الجنسية هي وسائل لتحقيق استمرار تحرر هذا النور تدريجيا.
إذن لا نتعجب أن رأينا أتباع ماني قد ظنوا أن يسوع المسيح ليس ابن لمريم بأي حال من الأحوال.
لهذا قام القديس الكسندروس، بابا الإسكندرية، يدافع عن حقيقة ناسوتية السيد المسيح وبالتالي عن أمومة القديسة مريم الحقة له، مقاوما الغنوصيين وأتباع ماني.
وقام القديس أثناسيوس بنفس الأمر، إذ يقول "كان جسد الرب جسدا حقيقيا... مثل جسدنا".
كما يقول القديس أمبروسيوس "قدمت العذراء شيئا من عندياتها ولم تعطه شيئا (جسدا) غريبا عنها بل من جسدها، قدمته بطريقة غير عادية لكن العمل (إعطاء الجسد للابن) كان عاديا، قدمت للثمرة جسدها".
3- الأريوسية:
مريم العذراء والأريوسية: مجمع نيقية سنة 325
إبتدع أريوس أن الإبن مخلوق وأنه غير مساو للآب ولذا عندما أنكر لاهوت المسيح أنكر أيضاً أمومة العذراء مريم لله (الثيؤطوكوس) وقد قاومه البابا الكسندروس والقديس اثناسيوس الرسولى.
أما اتباع أريوس، فعلى خلاف الغنوصيين والمانيين، أنكروا أن يسوع بن مريم هو ابن الله غير المخلوق، الواحد مع الآب في الجوهر الإلهي. أنكروا لاهوت السيد المسيح وبالتالي أنكروا أمومة القديسة مريم لله.
لهذا فإن آباء الإسكندرية مثل القديسين الكسندروس وأثانسيوس في مواجهتهم للاريوسية لقبوا القديسة مريم "الثيؤتوكوس" (والدة الإله). ففي الخطاب الدوري الذي وجهة القديس الكسندروس للأساقفة (حوالي عام 319م) حيث أعلن حرمان أريوس استخدام لقب "ثيؤتوكوس" بطريقة يفهم منها أن هذا اللقب كان مستخدما بطريقة لا تحتمل المناقشة، إذ كتب هكذا:
" أننا نعرف القيامة من الأموات، فان البكر هو يسوع المسيح الذي حمل جسدا حقيقيا وليس شكليا، مولودا من مريم الثيؤتوكوس (والدة الإله)". هكذا يسجل لنا قلمه لقب "الثيؤتوكوس" بطريقة طبيعية تاركا هذا الانطباع أن هذا اللقب كان دارجا مستقرا ولم يكن موضع نقاش في أيامه.
وفي الجدال مع الأريوسية ركز القديس أثانسيوس على هذه الحقيقة أن السيد المسيح مولود من الأب، حمل هيئته الجسدية من الأرض غير المفلحة دائمة البتولية، الثيؤتوكوس.
كما سجل القديس أمبروسيوس أسقف ميلان لحنا لعيد الميلاد علمه لشعبه لسند إيمانهم في المسيح يسوع بكونه الله الحقيقي لمواجهة الأريوسية:
"تعالى يا مخلص العالم! اظهر ميلادك من البتول! ليعجب العالم كله من ميلاد كهذا يليق بالله!"
4- النسطورية:
عقيدة الثيؤطوكوس (والدة الإله) فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية:
من يقول أن مريم العذراء هى أم يسوع أو أم المسيح فقط بدون تلقيبها بوالدة الإله، فهو ينكر إلوهية المسيح ولا يعترف انه ابن الله. فالمسألة ليست مجرد لقب وحسب فمن ينكر أن مريم والدة الاله ينكر تجسد إبن الله. وتعبير والدة الاله باليونانية ثيؤطوكوس قديم جدا في الكنيسة ونجده في كتابات العديد من الآباء، وقد لخص القديس إغريغوريوس اللاهوتي تقليدا طويلا بقوله:
إن إعتقد أحد أن القديسة مريم ليست والدة الاله فقد خرج عن إلوهية المسيح.
وأول من إعترض على هذه التسمية هو نسطور بطريرك القسطنطينية سنة 428 والذى ظهر ببدعته، وأطلق عبارته الشريرة "إنى أعترف موقنا أن كلمة الله هو قبل كل الدهور، إلا إنى أنكر على القائل بأن مريم والدة الاله، فذلك عين البطلان".
ففي العاشر من شهر أبريل عام 428م رسم نسطور الكاهن بإنطاكية وتلميذ تيؤدور أسقفا على القسطنطينية. وقد أعتاد أن يستخدم لقب خريستوكوس (والدة المسيح) للقديسة مريم وليس "ثيؤتوكوس"، لكن ملامح المعركة وضحت تماما عندما قام أحد كهنته يسمى أنسطاسيوس الذي جاء به من أنطاكية يعظ أمامه في ديسمبر عام 428 م قائلا:
"ليته لا يسمي أحد مريم " ثيؤتوكوس"، لأن مريم لم تكن إلا امرأة، ومن المستحيل يولد الله من امرأة".
وقد أكد نسطور نفسه هذا التعليم علانية، مقدما في عظاته تمييزا بين الإنسان يسوع المولود من مريم وابن الله الذي سكن فيه. في رأيه يوجد شخصان في المسيح: ابن مريم وابن الله، اتحدا معا اتحادا معنويا ولا أقنوميا. فالمسيح لا يسمى " الله" بل حامل الله " ثيؤبورون" على نفس المستوى الذي دعي إليه القديسون بالنعمة الإلهية التي توهب لهم هكذا فإن مريم لم تكن أما الله بل للإنسان يسوع الذي سكن فيه الله الرأس.
انتقد نسطور وأتباعه المجوس لأنهم سجدوا أمام الطفل يسوع، ونادوا بأن اللاهوت قد أنفصل عن الناسوت في لحظة الصلب.
وكان نسطور يظن ان للمسيح طبيعتان وشخصان إله وإنسان وحيث ان العذراء مريم بوصفها إنسانة ولدت الطبيعة الإنسانية فهي تدعى أم يسوع وليست أم الله أو والدة الإله وقد تصدى له البابا كيرلس الأول الكبير الملقب بعمود الدين البابا 24 مؤكدا أن تلقيب القديسة مريم بوالدة الإله ضرورة لاهوتية تحتمها حقيقة التجسد الإلهي فالتجسد في الإيمان الارثوذوكسى هو اتحاد كامل بين الطبيعيتين فالمولود من العذراء هو ابن الله المتجسد وليس مجرد إنسان: وشرح هذا المثل: كما ان الروح والجسد ينشأن كلاهما داخل المرأة مع أن الروح لا يمكن ان تكون وليدة المرأة هكذا الكلمة المتجسد نما ناسوته داخل العذراء ومع ذلك فجسده لم يكن مجرد جسد إنسانى ولكنه جسد متحد بالكلمة ولو أن هذا الجسد لم يكن سوى أداة لكان شبيها بأجساد موسى وغيره من الأنبياء إنما كان اتحاد كامل بين طبيعيتين بلا امتزاج ولا اختلاط ولا تغيير.
ولا نقول بالطبع ان الله الكلمة اخذ بدايته من جسد العذراء حاشا لانه موجود منذ الأزل فالكتاب المقدس يقول " فى البدء كان الكلمة.... فاقنوم الابن له ميلاد أزلي مع الآب وميلاد آخر زمنى من أحشاء العذراء مريم، حسب الآية القائلة: "ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولود من امرأة مولودا تحت الناموس" (غلاطية 4: 4).
ولكن تجاسر نسطور لكى ينال من المقام الرفيع للسيدة العذراء، وكأنه يرفض اختيار الرب، ويريد أن يجرد الخلاص من سره العظيم، الا وهو اتحاد اللاهوت بالناسوت اتحادا كاملا دون انفصال. وكشأن كل بدعة، إنضم تحت لواء فكر نسطور كثيرون ممن يجرون وراء البراهين الفلسفية الباطلة، كان منهم علمانيون ورهبان واكليركيون... وما ان بلغت هذه البدعة مسامع البابا كيرلس الاول، حتى تصدى لها بقوة، مبتدئا بمراسلة صاحبها نسطور ومن تبعه، وكان ذلك فى عيد الفصح، فرجع المصريون الذين تبعوه عن هذا الفكر العقيم، واستطاع المصريون المقيمون فى القسطنطينية نفسها ان يرجعوا شعبها الى الايمان المستقيم.
بلغ ذلك إلى مسامع القديس كيرلس بابا الإسكندرية، فانتهر فرصة كتابة الرسالة الفصحية السنوية عام 429م ليكتب دون أي تلميح إلى شخص نسطور مؤكدا التعليم الخاص بالتجسد في عبارات واضحة وبسيطة، موضحا اتحاد ناسوت السيد المسيح الحقيقي الحقاني الكامل بلا هوته في الشخص الإلهي الواحد.
وبعد أربعة شهور كتب رسالة أخرى إلى الرهبان في ذات الشأن بلغت هذه الرسائل مسامع نسطور فأثارت غضبه جدا، وطلب من شخص يسمى Photius أن يجيب عليها.
أرسل القديس كيرلس إلى نسطور رسالتين يوضح فيهما طبيعة السيد المسيح كابن الله المتجسد، شخص واحد... معلنا أنه الله من حق القديسة مريم أن تدعى " ثيؤتوكوس".
وفي رسالته الثانية كتب هكذا:
"لسنا نقول بأن الكلمة صار جسدا بالتحول، فهو لم يتحول إلى إنسان كامل بنفس وجسد، بل الحرى أتحد الكلمة أقنوميا بطريقة غير موصوفة ولا مدركة بالجسد الحي بنفس عاقلة، وهكذا صار إنسانا ودعي ابن الإنسان...
كما أنه لم يولد أولا من العذراء القديسة كإنسان عادي وبعد ذلك نزل عليه
" الكلمة"، الحرى أتحد " الكلمة" بالجسد في الأحشاء ذاتها...
لهذا السبب دعي " الآباء القديسون" بثقة العذراء القديسة " ثيؤتوكوس"، لا بمعنى أن طبيعة الكلمة أو اللاهوت قد تقبل بدءا جديدا من العذراء القديسة، بل يقال أنه ولد منها حسب الجسد مادامت نفسه العاقلة التي تحيي الجسد أتحد بها الكلمة أقنوميا مولودا منها.
هكذا كتب إليك بدالة الحب التي لي في المسيح، متوسلا إليك كأخ محملا إياك المسئولية أمام السيد المسيح وملائكته المختارين أن تفكر وتعلم معنا هكذا لحفظ سلام الكنائس ورباط الحب والمودة القائم بين كهنة الله".
بعد هذا أنعقد مجمع محلي بالإسكندرية بعث رسالة مجمعية إلى نسطور يوضح ذات التعاليم التي وردت برسائل القديس كيرلس، مذيلة بما يسمى " الأثنى عشر بندا أو الأثنى عشر حرمانا".
جاء في الحرمان الأول: "من لا يتعرف بأن عمانوئيل هو الله حقا، وبالتالي فإن القديسة العذراء هي " الثيؤتوكوس" إذ ولدت كلمة الله المتجسد حسب الجسد فليكن محروما".
وبعد أن أرسل القديس البابا كيرلس رسالة الى نسطور يشرح له فيها الايمان المستقيم فأرسل له هذا برد ملئ تكبرا واحتقارا، مؤيدا كلامه بأن العائلة المالكة بالقسطنطينية تؤيده.
وهنا ارسل البابا السكندرى رسائل للأمبراطور وافراد العائلة المالكة يوضح لهم الامر.. ثم توافق رأى القديس كيرلس مع رأى بابا روما وغيرهما فى ضرورة عقد مجمع لمحاكمة نسطور، ودعا اليه الامبراطور بنفسه، بقوة الرب التى تحركت داخله، وكان هذا المجمع فى مدينة افسس سنة 431م، وحضر من مصر 50 أسقف برئاسة البابا كيرلس، واصطحب معه القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين، حيث حكم فيه بنفى نسطور الى مدينة اخميم بمصر ليكون تحت مراقبة الانبا شنودة.
واضيفت تبعا لذلك الفقرة السابقة لقانون الايمان النيقاوى، والتى سميت ب " بدء قانون الايمان " تأكيدا على امومة السيدة العذراء للإله الكلمة المتجسد.. يتلوها جميع المصليين فى جميع الكنائس والمنازل فى انحاء العالم.
لقد وقف القديس كيرلس السكندري في بازيليكا والدة الإله (عام 431) يتحدث أمام آباء مجمع أفسس، قائلا: "السلام لمريم والدة الإله، كنز العالم كله الملوكي، المصباح غير المنطفئ، إكليل البتولية، صولجان الأرثوذكسية، الهيكل غير المفهوم، مسكن غير المحدود، السلام لك، يا من حملت غير المحوي في أحشائك البتولية المقدسة".
في الحقيقة الصراع الذي قام بين القديس كيرلس الإسكندري ونسطور لم يقم أساسا حول لقب القديسة مريم "الثيؤتوكوس" بل حول شخص السيد المسيح نفسه وأننا نستطيع أن نلخص الظروف التي دفعت القديسة كيرلس ليدخل هذا النزاع هكذا.
مريم العذراء و النسطورية: مجمع أفسس المسكونى الثالث سنة 431
في الثاني والعشرين من شهر يونيو عام 431م انعقد المجمع المسكوني الثالث بأفسس تحت رئاسة البابا كيرلس، الذي جرد نسطور من الكهنوت وحرمه، كما قرأت الرسالة التي وجهها القديس كيرلس لنسطور، ووافق على الحر ومات الأثنى عشر، وأدان المجمع رأى نسطور في شخص السيد المسيح، وثبت بكل وقار لقب "الثيؤتوكوس".
فقد فرق نسطور بين الإنسان يسوع المولود من مريم و ابن الله الساكن فيه فى رأيه كان يوجد شخصان فى المسيح: ابن مريم وابن الله اتحدا معا اتحادا معنوياً لا اقنومياً
واستنتج من ذلك ان السيدة العذراء هى أم للطبيعة الناسوتية وهى ليست والدة الإله و إنما كانت مستودع لله و إنها ولدت المسيح... و بناءً على هذا الاعتقاد أنحرف أريوس إلى فصل طبيعة السيد المسيح اللاهوتية عن طبيعته الناسوتية و جعل للمسيح طبيعتين (بدعة الطبيعتين و المشيئتين)
وقد وضع البابا كيرلس الأول عامود الدين حرمانا لكل من قال ان العذراء ليست هى والدة الإله وان عمانوئيل هو الله حقا يكون محروما، و قد تم وضع مقدمة قانون الأيمان فى هذا المجمع.
وقد أعلن المجمع المسكونيّ الثالث الذي انعقد في مدينة أفسس عام 431 أنّ مريم والدة يسوع المسيح هي حقّاً "والدة الإله". واعتبر الآباء القدّيسون بالمجمع أنّ هذا التعبير "والدة الإله" يتضمّن محتوى عقائديّاً على مستوى اللاهوت والإيمان المسيحيّ القويم. ولا تكتمل أرثوذكسيّة المؤمن وصحّة إيمانه من دون الاعتراف بأنّ مريم قد ولدت الإله نفسه الكائن منذ الأزل لدى الله الآب. مريم لم تلد بشراً كسائر البشر، فأتى الله وسكن فيه. بل ولدت الإله، فأعطته الجسد بعد أن سكن في أحشائها ما تقتضيه الطبيعة من وقت. لذلك، عقيدة "والدة الإله" ليست عقيدة مريميّة تختصّ بمكانة مريم في الإيمان الأرثوذكسيّ. إنّما هي، بالأحرى، عقيدة مسيحية متعلّقة بشخص يسوع المسيح وتدبيره الخلاصيّ من أجل البشر. ويجدر التنويه هنا إلى أنّ الكنيسة، وفي هذا السياق تحديداً، لم ترفع إلى مستوى العقيدة سوى ما يختص بالله، الآب والابن والروح القدس.
في الواقع، درج الآباء قبل مجمع أفسس بوقت طويل على إطلاق اسم "والدة الإله" على مريم. ولائحة المراجع طويلة، نكتفي بالإشارة إلى بعضها الأهمّ.
فمن أولى الشهادات ما ورد في إحدى رسائل القدّيس ألكسندروس بطريرك الإسكندريّة، حيث جاء:
"فقد لبس المسيح في الحقيقة، لا في المظهر، جسداً اتّخذه من مريم والدة الإله".
القدّيس أثناسيوس الرسولى
إنّ الكلمة هو نفسه قد وُلد بالجسد من مريم والدة الإله.
القدّيس غريغوريوس النزينزيّ (389م)
إنْ كان أحد لا يؤمن أنّ القدّيسة مريم هي والدة الإله، فهو غريب عن الله.
لقد سقنا هذه الأقوال لكي نقول إنّ إعلان عقيدة ما في الكنيسة لا ينشأ من العدم. بل إنّ إعلان العقيدة يأتي ردّاً على تعاليم منحرفة، وعلى هرطقات تشاء ضلال المؤمنين. فالعقيدة ليست سوى التأكيد على ما تناقلته الكنيسة من إيمان سليم استلمته من الأجداد والآباء وبدورها ستسلمه إلى الأبناء.
وهذا تماماً ما حصل مع نسطوريوس، بطريرك القسطنطينيّة (428م)، إذ رفض الإقرار بأنّ مريم "والدة الإله" بعد أن اعترفت الكنيسة بذلك، وأدخلت هذا الاسم في نصوص عباداتها وكتبها. فكان أن اجتمعت الكنيسة في المجمع المسكونيّ الثالث وذكّرت بإيمانها المستودع منذ أيّام الرسل.
رفض نسطوريوس الاعتراف بإمكانيّة أن تلد مريمُ الإنسانةُ المخلوقةُ إلهاً هو خالقها، بالإضافة إلى أنّه ميّز في شخص يسوع المسيح بين كائنَين، إلهيّ وإنسانيّ، قائلاً إنّ مريم وَلدت الإنسان يسوع الذي حمل الإله، وحاشا أن تلد الإله. ففيما يختصّ بمريم العذراء، إذاً، يقول نسطوريوس إنّها "والدة المسيح الإنسان"، وليست والدة الكلمة الإله. لذلك، ينبغي أن ندعوها "والدة المسيح"، لا "والدة الإله". وهذا ما رفضته الكنيسة بقوّة، إذ قالت بعدم جواز الفصل في يسوع المسيح بين شخصين، إلهيّ وإنسانيّ. فيسوع كائن واحد إلهيّ اتّخذ الطبيعة الإنسانيّة كاملة، ولم ينفصل البتّة عن الألوهة، وإنْ للحظة واحدة.
واجه القدّيس كيرلس الإسكندري (444م) بدعة نسطوريوس بحزم شديد، فاعتبر أنّ رفض القول بأنّ مريم "والدة الإله" ينتج منه رفض وحدة الشخص في يسوع المسيح. وكيرلّس لم يتوانَ عن التأكيد على أنّ يسوع الإنسان هو نفسه كلمة الإله. لذلك يمكن القول إنّ "ابن الله وُلد من مريم" بحسب طبيعته البشريّة، وإنّ "ابن مريم قد خلق الكون" بحسب طبيعته الإلهيّة. وانطلاقاً من هذا المبدإ يصح القول حقّاً "إنّ مريم والدة الإله"، لأنّ الشخص الذي وُلد منها هو نفسه ابن الله الكائن منذ الأزل مع الله والذي صار إنساناً لأجل خلاص البشر.
انعقد المجمع المسكونيّ الثالث وأدان تعاليم نسطوريوس وآراءه اللاهوتيّة غير الموافقة لإيمان الكنيسة، وتبنّى تعاليم كيرلّس. ومن أبرز ما جاء في تحديدات المجمع اللاهوتية: "بما أنّ العذراء القدّيسة قد وَلدت بالجسد الإله الذي صار واحداً مع الجسد بحسب الطبيعة، فإنّنا ندعوها والدة الإله". وكما قلنا، فالتحديد المجمعيّ يتوسّع أكثر في شأن شخص يسوع المسيح والتأكيد على أنّه شخص واحد، فيقول الآباء المجمعيّون: "إنّما نعترف بمسيح واحد هو الكلمة المولود من الآب، وهو الذي اتّخذ جسداً (...) ليس إنّ إنساناً اعتياديّاً وُلد من مريم العذراء ثمّ حلّ عليه الكلمة (...) ولكنّه مع اتّخاذه لِذاته جسداً بقي كما كان إلهاً".
في عام 433م وضع لاهوتيّو الكنيسة الأنطاكيّة نصّاً دعي "قانون الوحدة"، لأنّه أعاد الوحدة الكنسيّة بعد الاضطرابات التي سبّبها التعليم النسطوري الخاطئ. فأعاد "قانون الوحدة" التأكيد على مقرّرات المجمع المسكونيّ الثالث، ومن أبرز ما جاء في هذا القانون: "لا نعترف إلاّ بمسيح واحد وابن واحد وربّ واحد. وبسبب هذا الاتّحاد (بين الطبيعتين الإلهيّة والإنسانيّة) المنزّه عن الاختلاط، نعترف بأنّ العذراء القدّيسة هي والدة الإله، لأنّ الإله الكلمة صار فيها جسداً، أي صار إنساناً".
يجد اسم "والدة الإله" جذوره في الكتاب المقدّس، ولا سيّما في قول أليصابات وهي حامل بيوحنّا المعمدان، حين زارتها مريم نسيبتها وهي حامل بيسوع: "من أين لي هذا أن تأتي أمّ ربّي إليّ" (لوقا 1: 43). فيسوع المسيح هو "الربّ"، فإذا كان المسيح هو الربّ، فأمّ الربّ هي "والدة الإله".
اللاهوت فى فكر العذراء مريم:
(إذا كان نسطور وهو الأسقف) الدارس للاهوت... قد بعد عن الفكر الصحيح، وضل عن التعليم الصحيح، وهو فى القرن الخامس الميلادى، ونادى بأن السيد المسيح كان إقنومين: ذات إلهية تعلو على الآلام الإنسانية، وذات إنسانية عرضة للآلام والموت، ومن ثم يكون قد فصل بين اللاهوت والناسوت فى شخص السيد المسيح. فإن السيدة العذراء وهى أم المسيح، وأقرب الناس إليه، وهى الفتاة الصغيرة البسيطة، التى لم تدخل مدرسة للاهوت، كانت معلمة للاهوت، ولكن نسطور لم يفهم شيئا من حديث العذراء مع الملاك جبرائيل، أو مع نسيبتها أليصابات، هذه الأحاديث برغم بساطتها كانت مليئة بفكر واعى متقدم، فيه الكثير عن اللاهوت.
وطالما أن بدعة نسطور قد مست السيدة العذراء، التى أخذ منها السيد المسيح جسده، فلابد أن نقترب من السيدة العذراء، لنتعلم منها الكثير عن اللاهوت فى فكرها نحو إبنها الحبيب، فالبطن التى حملت باللاهوت، كانت صاحبة عقل عرف اللاهوت ووعاه ولروح ابتهجت بحضور اللاهوت.
وقال القديس أوغسطينوس:
ان كان لم يوجد من هو كفء لفهم أمك، فمن الذى يمكنه أن يفهمك أنت؟.
واللاهوت يعنى شيئين: الأول طبيعة الله نفسه، والثانى العلم الذى يتحدث عن الله والإلهيات. والذين يبحثون فى هذا العلم يلقبون "لاهوتيون". ولقد شدى القديس غريغوريوس الثيئولوغوس بهذا الإنعام الذى حباه الله للإنسان، للتعرف على خالقه فقال: "أعطيتنى علم معرفتك". والعذراء مريم كانت تحمل اللاهوت بمعناه الأول متحدا بالناسوت فى بطنها. وبالمعنى الثانى كان يمتلىء به عقلها.
لقد نطقت السيدة العذراء بقانون إيمان وضعته أمام المسيحية كلها، قبل قانون الأيمان النيقاوى الذى تردده الكنيسة فى صلواتها كلها وطقوسها جميعها، شارك فى صياغته 668 أسقف: (318 + 150 +200)، واستغرق وضعه 106 سنة، على مدى ثلاثة مجامع مقدسة، فى القرنين الرابع والخامس الميلادى.
فلم تكن العذراء مجرد جسم احتاج السيد المسيح منها جسدا له.
انما أيضا كانت فكرا تمشى بين الناس، وجال بين البشر، لقد عرفت المسيح الذى به حبلت، وعرفت عنه قبلما حبلت به، وعرفت منه كما حملت فيه.
انها أكثر الناس قربا له، فلا غرابة أن تكون أكثرهم دراية ومعرفة عنه. ان حديث العذراء عن الله له مذاق خاص، فترى أن تتكلم عن الله الذى خلقها، أم عن الله الذى ولدته؟.
إن علاقة العذراء بالسيد المسيح له المجد، توضحها هذه الأمثولة التى رواها سفر الخروج عن إمرأة تسمى يوكابد - (أم موسى النبى) – كانت هى أمه، كما كانت هى أمته. ظاهريا كانت إبنة فرعون هى أمه، وكانت يوكابد تناديه أمامها (سيدى موسى)، بينما هو إبنها وفلذة كبدها.
لقد استطاع موسى أن يجمع بين هذين الأمرين، فهو إبن يوكابد، وسيد لها، كما أنها هى أيضا أم وأمة (خادمة) له. وهذا ما رأيناه فى العذراء العبدة والأم، العبدة لأنها مخلوقة، والأم لأنها والدة.
دعت السيدة العذراء إلهها فى تسبحتها بألقاب مقدسة ثلاثة هى: (الرب. الله. القدير).
وذلك عندما قالت: " تسبح نفسى الرب، وتبتهج روحى بالله مخلصى، لأن القدير صنع بى عظائم"، وهذه الألقاب الثلاثة هى ذات الكلمات والأسماء الثلاثة التى أطلقت على الله فى العهد القديم، فقد دعى بإسم:
- يهوة = الرب
- إيلوهيم = الله
- أدوناى = أى صاحب القدرة.
نلاحظ أن هذه الأسماء الثلاثة صارت من أسماء السيد المسيح له المجد، ومن القابه:
+ الرب:
- (1 كو 8: 6) لنا رب واحد يسوع المسيح الذى منه جميع الأشياء.
- (رؤيا 17: 14) لأنه رب الأرباب وملك الملوك.
- (لو 1: 43) من أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلى.
- (لو 2: 11) ولد لكم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب.
+ الإله:
- (أشعياء 7: 14)، (متى 1: 23) هوذا العذراء تحبل وتلد إبنا ويدعى أسمه عمانوئيل (الذى تفسيره الله معنا)".
- (يوحنا 1: 1) فى البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله.
- (يوحنا 20: 26) ربى وإلهى..... قال له يسوع لأنك رأيتنى ياتوما آمنت.
- (1تى 3: 16) وبالأجماع عظيم هو سر التقوى، الله ظهر فى الجسد.
+ القدير:
- (لوقا 1: 49) لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس.
- (تكوين 17: 1) ولما كان ابرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لابرام وقال له: انا الله القدير
- (رؤيا 1: أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كل شيء
- (رؤيا 15: 3) عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شيء. عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين
- (عبرانيين 1: 3) حامل كل الأشياء بكلمة قدرته.
لقد رأت مريم فى الله عشر صور متعددة هى:
(1) كفارته: " وتبتهج روحى بالله مخلصى "
(2) قدرته: " لأن القدير صنع بى عظائم "
(3) عظمته: " صنع بى عظائم "
(4) قداسته: " أسمه قدوس "
(5) رحمته: " ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه "
(6) قوته: " صنع قوة بذراعه "
(7) وداعته: " شتت المستكبرين بفكر قلوبهم "، لقد تلاقى السيد المسيح مع العذراء فى نقطة الأتضاع، فالأمة صارت أما ولكنها أصرت أن تكون أمة ؛ " هوذا أنا أمة الرب ".
( كفايته: " أشبع الجياع خيرات "
(9) حكمته: " إنه كلمة الله، وقوة الله، وحكمة الله "
(10) كلمته: "كما كلم آبائنا".
ففى العذراء فرح ابراهيم، وتهلل اسحق، واغتبط يعقوب.
ان كلمة الله تمت بكل كمال، وبدون نقصان.
والسيد المسيح كما هو رب وإله قدير، دعى أيضا "ابن الإنسان"، على أنه لما كانت ألوهية الإبن قد ثبتت بالدستور الإيمانى الذى أقره مجمع نيقية، ولم يستطع نسطور إنكارها... إلا أنه حاول الطعن بشكل آخر بأن جعل من السيد المسيح إقنومين: ذات إلهية تعلو على الآلام الإنسانية، (الشق الخاص بالسيد المسيح كرب وإله)، وذات إنسانية عرضة للآلام والموت، (الشق الخاص بالسيد المسيح بأبن الإنسان).
قال القديس كيرلس الكبير:
فى أكثر من موضع وفى أكثر من آية يذكر الكتاب المقدس أن المسيح هو إبن الإنسان، لكن فى كل هذه الآيات التى جاءت عن إبن الإنسان كانت تحمل ليس فقط إظهارا لإنسانيته إنما كانت تدل أيضا على لاهوته، الذى لا يستطاع النظر إليه ولا التفكير فيه، وبعض هذه الأيات هى:
(1) من صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء:
(يوحنا 3: 13) وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ.
(2) عندما تحدث عن صلبه ذكر عبارة "إبن الإنسان" فى معنى يقابل تماما لقب إبن الله الوحيد:
(يوحنا 3: 14) وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ 15لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 16لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.
(3) استخدم الرب تعبير ابن الإنسان عن نفسه بصورة إلهية فى حديثه عن مجيئه الثانى فقال:
+ (متى 24: 30-31) 30وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. 31فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ الصَّوْتِ فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا.
+ (متى 13: 41) يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ
ولا يمكن أن تستخدم هذه التعبيرات الا بدلالة لاهوتية، فابن الإنسان هنا يأتى على السحاب فى قوة ومجد، ملائكة الله هم ملائكته، وملكوت الله هو ملكوته، والمختارون الذين اختارهم الله هم مختاروه.
(4) قال السيد المسيح لرؤساء الكهنة الذين حكموا عليه بالصلب:
(متى 26: 64) قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ».
فمزق رئيس الكهنة ثيابه وقال لقد جدف، وما يقصده بالتجديف هو ما قصده السيد الرب باظهار لاهوته مستخدما تعبير أبن الإنسان.
(5) أن دانيال النبى نفسه فى العهد القديم يطلق على السيد المسيح لقب " ابن الإنسان " فى معنى لاهوتى بقوله " وكنت أرى فى رؤيا الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان، أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطانا ومجدا وكهنوتا، لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض ".
(دانيال 7: 9) كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ وُضِعَتْ عُرُوشٌ وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ وَبَكَرَاتُهُ نَارٌ مُتَّقِدَةٌ.
(دانيال 7: 13) وَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنِ اعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ النَّاسِ يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ.
(6) (متى 12: فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضاً».
(7) (متى 12: 40) لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ هَكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ.
( (متى 13: 37) اَلزَّارِعُ الزَّرْعَ الْجَيِّدَ هُوَ ابْنُ الإِنْسَانِ.
لماذا أطلق المسيح على نفسة لقب إبن الإنسان؟
عندما أخطأ الإنسان وحكم عليه بالموت، كان لابد أن يموت لكى يكون الله صادقا وعادلا، ومن الناحية الأخرى كان يليق أن يحيا الإنسان لأن هذا يتمشى مع رحمة الله وحكمته، وكان هذا الإنسان عاجزا عن إيفاء الله حقه من العدالة لأنه محدود لا يستطيع أن يوفى العقوبة غير المحدودة، وأيضا لأنه خاطىء... لذلك أخذ الرب شكل العبد، وصار فى الهيئة كإنسان، وشاء أن يولد من هذا الإنسان عينه، وهكذا دعا نفسه: " ابن الإنسان "، ولم يدع نفسه " ابن فلان " من الناس، لأنه فى موقف النائب عن الإنسان كله، عن البشرية عموما.
وبعد، فالسيدة العذراء (وهى أقرب الناس إلى السيد المسيح)، قدمت لنا درسا رائعا عن اللاهوت الذى لا ينفصل عن الناسوت فى شخص السيد المسيح، كما أن السيد المسيح فى أحاديثه أكد وحدانية المعنى فى القاب – ابن الله، وابن الإنسان - والأنبياء فى العهد القديم أكدوا ذلك، وأول الشهداء فى العهد الجديد (أسطفانوس) رأى ابن الإنسان جالسا عن يمين أبيه.
فما هى حجة نسطوريوس بعد كل هذه التأكيدات، حتى يشط بعقله البشرى، وتستهويه فتنة أفكاره الخاصة، فزاغ عن الحق الإلهى، وطلع علينا بهرطقته... وبسببها تم عقد مجمع أفسس (المجمع المسكونى الثالث).
ولكن الله رتب الدواء مع ظهور الداء، فى شخص البابا السكندرى البابا كيرلس الكبير
تمجيد والدة الإله فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
يعترض البعض قائلاً:
هل يجوز تمجيد العذراء؟ أليس المجد لله. ونحن نقول له: "لك المجد".
لماذا إذن نمجد العذراء؟
ونقول في ترتيلنا "مجد مريم يتعظم". "ملكوها في القلوب"..؟
الرد:
المجد الذي يختص به الله وحده، هو مجد الإلوهية.
وهو الذي قال عنه "مجدي لا أعطيه لآخر"
ولكن الله يمجد أبناءه ورسله ومختاريه وشهداءه بأنواع أمجاد كثيرة.
وقد قيل:
أن الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم. وهؤلاء دعاهم.. وبررهم.. وهؤلاء مجدهم أيضاً (رومية 8: 30)
كذلك فإن الرب قد وهب المجد، لكل من يتألم من أجله. وينطبق هذا على الشهداء والمعترفين، ومن يتحملون الألم في الخدمة.
وهكذا قيل: "إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد أيضاً معه" (رومية 8: 17)
بل ما أعجب قول السيد المسيح للآب عن رسله: "وأنا أعطيهم المجد الذي أعطيتني" (يوحنا 17: 22)
فإن كان هذا قد قيل عن التلاميذ، ألا يليق المجد بالسيدة العذراء التي هي أم روحية لكل هؤلاء؟.. بل هي أم لمعلمهم وربهم..
على أن المجد الذي يُقدم للسيدة العذراء وللآباء الرسل وللشهداء لا يمكن أن يعتبر انتقاصاً من مجد الله الذي قال لتلاميذه: "من يكرمكم يكرمني". إن الله قد خلق الإنسان للمجد. وأول مجد منحه الله لنا أنه خلقنا كشبهه على صورته ومثاله (تكوين 1: 26-27)
ثم هناك مجد آخر منحه الله للكهنوت.
وهكذا قال الرب لموسى عن هرون أخيه رئيس الكهنة
"اصنع ثياباً مقدسة لهرون أخيك للمجد والبهاء" (خروج 28: 2). وبالمثل قال عن أبناء هرون الكهنة".. وتصنع لهم قلانس للمجد والبهاء" (خروج 2 40)
ألا يليق بنا إذن أن نمجد العذراء، الملكة القائمة عن يمين الملك (مز45: 9)، التي جميع الأجيال تطوبها (لوقا 1: 48)؟
مريم العذراء فى عقيدة الأرثوذكس
تؤمن الكنيسة القبطية الأرثوذكسة بأن مريم العذراء هى الدائمة البتولية، فقد كانت مخطوبة ليوسف النجار وبعد موت يوسف النجار لم تخطب أو تتزوج من أى شخص آخر، فهى لم تعرف رجلا قط كل أيام حياتها بمعنى العلاقة الزوجية والجسدية بين الأزواج، فقد كانت مريم هى العذراء قبل الحبل بيسوع المسيح وأثناء الحبل بيسوع وظلت عذراء بعد ولادة يسوع المسيح حتى آخر يوم فى حياتها على الأرض.
مكانة مريم العذراء فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية:
1- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تكرم السيدة العذراء الإكرام اللائق بها دون مبالغة أو إقلال من شأنها. فهى القديسة المكرمة والدة الإله المطوبة من السمائيين والأرضيين, دائمة البتولية العذراء كل حين, الشفيعة المؤتمنة والمعينة, السماء الثانية الجسدانية أم النور الحقيقى التى ولدت مخلص العالم ربنا يسوع المسيح.
2- مريم العذراء هى الإنسانة الوحيدة التى إنتظر الله آلاف السنين حتى وجدها ورآها مستحقة لهذا الشرف العظيم "التجسد الإلهى" الشرف الذى شرحه الملاك جبرائيل بقوله "الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلىّ تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منكِ يدعى أبن الله" (لوقا 35: 1). لهذا قال عنها الكتاب المقدس "بنات كثيرات عملن فضلاً أما أنت ففقتِ عليهن جميعاً " (أمثال 29: 31)
3- هذه العذراء كانت القديسة كانت فى فكر الله وفى تدبيره منذ البدء ففى الخلاص الذى وعد به آدم وحواء قال لهما "أن نسل المرأة يسحق رأس الحية" (تكوين 15: 3) هذه المرأة هى العذراء ونسلها هو المسيح الذى سحق رأس الحية على الصليب.
4- تحظى مريم فتاة الله بمكانة عظمى في قلب معظم الذين انتسبوا الى المسيح المخلّص، ولها في قلوبهم محبة كبيرة. غير أن هذا لا يمنع القول ان مسيحيّي العالم -وإن قالوا، على العموم، قولا واحدا في حقيقة تجسد ابن الله الوحيد- لا يتفقون في وصف مريم وتكريمها ولا في تحديد مساهمتها في خدمة السرّ "الذي قبل الدهور".
5- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تقدم السلام للعذراء مريم بخشوع كثير واحترام كما قدمه لها الملاك ولكن بلا عبادة.
6- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تكرم العذراء كأم الاله تكريما يفوق كل كرامة لاى ملاك او رئيس ملائكة وفوق الشاروبيم والسارافيم ايضا.. ولكن تكريمنا لها يحدده قولها * هوذا انا امة الرب * فهى فى تقليدنا عبده وامة خاضعة لسلطان الله.. فكأم الاله نكرمها ونعظمها جدا ونتشفع بها، وكأنسانة لايمكن ان نعبدها.
7- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تمجد العذراء لا كملكة السماء تجلس بمفردها.. ولكن كملكة تقف عن يمين الملك *قامت الملكة عن يمين الملك* حيث الوقوف لايؤهلها للمساوة كما فى حالة المسيح حينما جلس عن يمين ابيه
8- فى التقليد الكنسى يحتم فى الايقونة القبطية ان ترسم العذراء حاملة للمسيح على ذراعها الايسر *قامت الملكة عن يمين الملك* ولاتقبل الكنيسة ان تقدم تمجيدا للعذراء بشخصها بمفرده ولكن تمجدها كعذراء وكأم معا.
9- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ترى ان مجد ام الاله مكتسب بسبب امومتها للرب يسوع، وليس طبيعيا لذلك لانقدمه لها فى شكل عبادة وانما فى صورة تكريم فائق.
10- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ترى ان نصيب مريم فى استعلان المجد العتيد سيكون غير منفصل عن جسد المسيح الذى سيجمع البشرية كلها معا كانسان كامل رأسه المسيح، غير ان نصيبها سيكون فائقا بالضرورة وعلى كل وجه انما غير منفصل عنا.
11- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تقدم البخور لله امام ايقونة مريم العذراء الحاملة يسوع المسيح لان مريم اصبحت هى الهيكل الجديد الذى احتوى الحمل المقدس المعد للذبيحة، لذلك اصبح لائقا ان يقدم امامها بخور لله لكى تشفعه هى بصلواتها عنا.. فيرفع البخور امام الله حاملا صلواتها وصلواتنا.
12- تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية أن العذراء بما أنها صارت أم الإله المتجسّد, فقد أصبحت أيضًا أمًّا لكلّ الذين صار ذاك الإله أخا لهم بالتجسّد: "لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا السَّبَبِ لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً . فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا" (عبرانيين 2: 11-14).
لقب مريم العذراء والدة الإله:
- مريم العذراء هى "والدة الإله" theotokos، وهو اللقب الذي منحه اياها المجمع المسكوني الثالث المنعقد في افسس في العام 431م
- مريم العذراء هى "والدائمة البتولية" aeparthenos، وهو اللقب الذي جاء به المجمع المسكوني الخامس المنعقد في القسطنطينية في العام 553م.
- مريم العذراء هى "الكلية القداسة" panagia، فلم يحدَّد عقائديا، ولكنه مقبول ويستخدمه جميع الارثوذكسيين في العالم.
- ميزت الكنيسة الأرثوذكسية في تعليمها عن مريم بين اصطلاحي "العبادة" و"التكريم"، فهي لا تدعو، مطلقا، الى عبادة مريم كعبادة الله، وإنما تكرمها وتعظّمها لأن "إلهاً حقا وُلِدَ منها" (يوحنا الدمشقي)، وهي بذلك تطيع ما جاء على لسانها في انجيل لوقا: "ها منذ الآن (اي منذ قبولي الإلهَ في أحشائي) تكرمني جميعُ الأجيال" (لوقا 1: 48).
- تحمل عبارة "والدة الإله" تراثا إيمانيا ذا قيمة لاهوتية عظيمة، فاللفظة اليونانية تعني "حاملة الإله" اي التي حملت الإله في رحمها، وقد وُضعَ فحواها اولا على لسان أليصابات زوجة زكريا الشيخ التي لفظت ذاك النداء التعظيمي "من اين لي هذا أن تأتي أم ربّي اليّ؟" (لوقا 1: 41-43)، (غلاطية 4: 4)، وقد إنتشر ذلك اللقب وانتشر انتشارا واسعا منذ بدء المسيحية وفق شهادة إكليمنضس الإسكندري.
- استعمل لقب والدة الإله كثير من الآباء الأولين مثل: هيبوليتس، واوريجانس الذي شرحها في تفسيره للرسالة الى كنيسة رومية، وديديموس الضرير، وألكسندروس بطريرك الاسكندرية الذي خطّها في رسالة وجهها الى مجمع عُقد ضد بدعة آريوس في الاسكندرية في العام 320 (اي قبل المجمع المسكوني الاول بخمس سنوات)، وكيرلُّس الاورشليمي، وغريغوريوس النيصصي، وكيرلُّس الاسكندري وغيرهم، مما يؤكد انها كانت معروفة ورائجة قبل أن سطرها الآباء عقيدةً في مجمع أفسس. ويقول الاسقف كاليستوس (وير): إن تسمية والدة الإله "مفتاحُ العبادة الارثوذكسية الموجّهة الى العذراء"، وذلك اننا "نكرم مريم لأنها والدة إلهنا، ولا نكرمها منفصلة عنه وإنما بسبب علاقتها بالمسيح" (انظر الايقونات الارثوذكسية التي تظهرهما دائما معا، ولا تصوّر مريم من دون ابنها). ويتابع الأسقف بقوله: "إن التعليم الارثوذكسي المتعلق بوالدة الاله منبثق من تعليمها الخاص بالمسيح وحين أكد آباء مجمع أفسس (تسمية مريم بوالدة الإله)، لم يكن ذلك بقصد تمجيدها بل من اجل الحفاظ على العقيدة الحق المتعلقة بشخص المسيح"، ويخلص الى القول: "وأولئك الذين يرفضون تكريم مريم هم انفسهم اولئك الذين لا يؤمنون حقا بالتجسد".
- لقب "والدة الإله"، ليس لقب تكريمي فقط لمريم وإنما هو ضرورة لاهوتية تحتّمها، كما يقول القديس كيرلُّس الاسكندري، "حقيقة التجسد"، ولا يمكن لأحد أن يرفض هذه الحقيقة ويُقبَل في الإيمان الحق. فمريم هي ام الرب، وهي أمنا.
- لا يوجد مسيحي يقول ان مريم ولدت الاهوت، والقول أن مريم أم الله المتجسد مقصود به الناسوت وليس الاهوت. ففى مريم تمّ أولاً الاتحاد بين الله والإنسان، إذ أن ابن الله اتحد ذاته بجسد إتخذه من جسد مريم، لذلك تدعو الكنيسة العذراء "والدة الإله" لأنها ولدت الإله المتجسّد.
- تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية أن منزلة العذراء تفوق الملائكة إذ قد أُهّلَتْ أن تحمل فى ذاتها ابن الله المتجسد الذى لا تسعه السموات ولا سماء السموات، فصارت هى هيكل حي للإله الذى: {لا تجسر طغمات الملائكة أن تنظر إليه}. لذلك تخاطبها الكنيسة منشدة: {يامن هى أكرم من الشاروبيم وأرفع مجدًا بغير قياس من السارافيم}، وأيضًا: {لأنه صنع مستودعك عرشًا وجعل بطنك أرحب من السماوات}.
تاريخ إنكار بتولية مريم العذراء:
تاريخ إنكار بتولية مريم العذراء يعود إلى القرن الأول الميلادى، حيث ظهرت بدعة الأبيونيون وهم مسيحيين من أصل يهودى إعتنقوا المسيحية وتعلقوا بالطقوس اليهودية التى تشبعوا بها وقتاً طويلاً فجاءت عقيدتهم خليطاً من المسيحية واليهودية وأنكروا لاهوت المسيح ولم يعترفوا بوجودة الإلهى قبل التجسد وأعتبروه مجرد إنسان عادى وبالتالى أنكروا ميلاده المعجزى من العذراء وقالوا إنه ولد كسائر البشر من أب هو يوسف وأم هى مريم.
ويقول أيريناؤس والمؤرخ يوسابيوس القيصرى أنهما تبعا ترجمة ثيودوسيون Theodotion الأفسسى وأكويلا البنطى Auila of Pontus الذان ترجما نبؤه أشعياء "هوذا العذراء تحبل وتلد أبناً إلى "هوذا الفتاه (The young woman) تحبل وتلد أبناً".
ثم جاء هيلفيدس (حوالى عام 382م) وأدعى أن مريم ويوسف قد تزوجا فعلاً بعد ميلاد المسيح وتبعه فى ذلك راهب هرطوقى يدعى جوفنياس (مات حوالى 405م) ويونسيوس أسقف يوغوسلافيا وحرمه مجمع كابوا (Capua عام 1391م)، وأتبع هذا الرأى فى العصور الحديثه بعض المفسرين من بعض الفرق البروتستانتيه المتطرفه كالأخوة البلموث وغيرهم، وشهود يهوه.
ولكن غالبيه المفسرين البروتستانت يؤمنون بدوام بتوليه العذراء.
وقد برزت العقيدة الخاصة بالقديسة مريم وتطورت خلال صراع الكنيسة ضد الهرطقات، كان ذلك لتأكيد حقيقتين تخصان السيد المسيح:
أ- أن يسوع المسيح قد ولد ميلادا حقيقيا من القديسة مريم، فلم يكن يسوع خيالا بل حمل جسدا حقيقيا مولودا من أم حقيقية.
ب- أن يسوع المسيح المولود من القديسة مريم هو ابن الله الأبدي الذي بلا بداية.
أما الأهم الهرطقات فهي الغنوصية والمانية والأريوسية والنسطورية.
1- الغنوصية:
تقوم أغلب النظم الغنوصية على الفصل ما بين الله الخالق والكائن الإلهي السامي. ففي نظر البعض أن العالم المادي هو شر جاء نتيجة سقوط الحكمة "صوفيا".
ويقسم الغنوصيون البشر إلى طبقتين أو ثلاث، هم:
أ- الروحيون، يتمتعون بإشراقة من الجوهر الإلهي الروحي، ويعودون إلى أصلهم أي إلى الكائن الإلهي السامي، وذلك بواسطة المعرفة (الغنوصية) وممارسة طقوسها.
ب- بقية البشر أي الجسدانيون أو الماديون، وهم منهمكون في العالم المادي مصيرهم الهلاك الأبدي.
ج- يضيف البعض طبقة ثالثة متوسطة، وهي جماعة المسيحيين غير الغنوصيين، هؤلاء يبلغون حالة وسطى خاصة بالله الخالق، وذلك خلال إيمانهم وأعمالهم الصالحة.
أما عن المسيح ففي نظرهم جاء عن الإله السامي، يقدم الغنوصية أي "المعرفة"، وهو كائن إلهي لم يأخذ جسدا بشريا حقيقيا ولا مات. بهنا لم يقبلوا تجسد المخلص ولا ولادته من امرأة.
إحدى الأشكال الغنوصية تدعى Docetism، وهي هرطقة هددت كيان الكنيسة الأولى، أخذت أسمها عن كلمة dokein اليونانية التي تعني "يبدو" أو "يظهر هكذا" إذ نادت هذه الهرطقة بأن يسوع المسيح لم يصر أنسانا حقيقيا بل بدى هكذا كأنه يحمل جسدا. أنه عبر في العذراء دون أن يأخذ من جسدها شيئا.
يقول القديس ايريناؤس أن ساتيرنانيوس (حوالي عام 120) قد أعلن بأن المخلص لم يولد، ولا تجسد ولم يكن له شكل... إذ يرى أن الزواج وإنجاب
وعلم أيضا فالنتينوس في القرن الثاني بأن السيد المسيح قد أتحد بالإنسان يسوع "الذي ولد خلال مريم وليس من مريم، عبر فيها كما من قناة".
أما مرقيون فعلم بأن يسوع لم تكن له نفس بشرية ولا تجسد أرضي. أنه لم يولد من مريم بل ظهر فجأة في اليهودية في تجسد خيالي كشخص كامل النمو مستعد للبدء في الخدمة حالا.
أما إبليس Appeles فقد قبل أن يكون للسيد المسيح جسدا حقيقيا، لكنه جسد سماوي، نزل إلى هذا العالم من السماء، وليس من مريم.
وقد حذر آباء الكنيسة مثل القديسين أغناطيوس أسقف أنطاكية ويوستين وايريناؤس والعلامة ترتليان والعلامة أوريجين المسيحيين من هذه التعاليم كما واجهوا الهراطقة مؤكدين حقيقة أمومة القديسة مريم بقصد تأكيد سر التجسد أي حقيقة ناسوتية المسيح.
كتب القديس أغناطيوس إلى أهل تراليا: "سدوا آذانكم عندما يحدثكم أحد من هؤلاء الذين يأخذون جنبا من يسوع المسيح، الذي هو من نسل داود ابن مريم، الذي ولد ميلادا حقيقيا.
2- المانية Manichaeism:
مؤسس هذه البدعة هو ماني أو مانس أو مانخيوس من القرن الثالث النظام الماني في أصله هو وليد التقاليد الغنوصية القادمة من شرق بلاد فارس والتي تقوم على افتراض وجود صراع بين النور والظلمة، وبين الله والمادة. أما هدف ممارسة الدين عندهم فهو أدراك عناصر النور التي أغتصبها الشيطان من عالم النور وسجنها في ذهن الإنسان، وأن يسوع وبوذا والأنبياء وماني أنما جاءوا لهذا العمل.
ظهور آدم كان غايته استعادة النور المسجون. أما يسوع "النور المتلألئ" فقد خلص آدم برؤيا.
والممارسات الدينية عندهم من امتناع عن أكل اللحم والزهد في الحياة الجنسية هي وسائل لتحقيق استمرار تحرر هذا النور تدريجيا.
إذن لا نتعجب أن رأينا أتباع ماني قد ظنوا أن يسوع المسيح ليس ابن لمريم بأي حال من الأحوال.
لهذا قام القديس الكسندروس، بابا الإسكندرية، يدافع عن حقيقة ناسوتية السيد المسيح وبالتالي عن أمومة القديسة مريم الحقة له، مقاوما الغنوصيين وأتباع ماني.
وقام القديس أثناسيوس بنفس الأمر، إذ يقول "كان جسد الرب جسدا حقيقيا... مثل جسدنا".
كما يقول القديس أمبروسيوس "قدمت العذراء شيئا من عندياتها ولم تعطه شيئا (جسدا) غريبا عنها بل من جسدها، قدمته بطريقة غير عادية لكن العمل (إعطاء الجسد للابن) كان عاديا، قدمت للثمرة جسدها".
3- الأريوسية:
مريم العذراء والأريوسية: مجمع نيقية سنة 325
إبتدع أريوس أن الإبن مخلوق وأنه غير مساو للآب ولذا عندما أنكر لاهوت المسيح أنكر أيضاً أمومة العذراء مريم لله (الثيؤطوكوس) وقد قاومه البابا الكسندروس والقديس اثناسيوس الرسولى.
أما اتباع أريوس، فعلى خلاف الغنوصيين والمانيين، أنكروا أن يسوع بن مريم هو ابن الله غير المخلوق، الواحد مع الآب في الجوهر الإلهي. أنكروا لاهوت السيد المسيح وبالتالي أنكروا أمومة القديسة مريم لله.
لهذا فإن آباء الإسكندرية مثل القديسين الكسندروس وأثانسيوس في مواجهتهم للاريوسية لقبوا القديسة مريم "الثيؤتوكوس" (والدة الإله). ففي الخطاب الدوري الذي وجهة القديس الكسندروس للأساقفة (حوالي عام 319م) حيث أعلن حرمان أريوس استخدام لقب "ثيؤتوكوس" بطريقة يفهم منها أن هذا اللقب كان مستخدما بطريقة لا تحتمل المناقشة، إذ كتب هكذا:
" أننا نعرف القيامة من الأموات، فان البكر هو يسوع المسيح الذي حمل جسدا حقيقيا وليس شكليا، مولودا من مريم الثيؤتوكوس (والدة الإله)". هكذا يسجل لنا قلمه لقب "الثيؤتوكوس" بطريقة طبيعية تاركا هذا الانطباع أن هذا اللقب كان دارجا مستقرا ولم يكن موضع نقاش في أيامه.
وفي الجدال مع الأريوسية ركز القديس أثانسيوس على هذه الحقيقة أن السيد المسيح مولود من الأب، حمل هيئته الجسدية من الأرض غير المفلحة دائمة البتولية، الثيؤتوكوس.
كما سجل القديس أمبروسيوس أسقف ميلان لحنا لعيد الميلاد علمه لشعبه لسند إيمانهم في المسيح يسوع بكونه الله الحقيقي لمواجهة الأريوسية:
"تعالى يا مخلص العالم! اظهر ميلادك من البتول! ليعجب العالم كله من ميلاد كهذا يليق بالله!"
4- النسطورية:
عقيدة الثيؤطوكوس (والدة الإله) فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية:
من يقول أن مريم العذراء هى أم يسوع أو أم المسيح فقط بدون تلقيبها بوالدة الإله، فهو ينكر إلوهية المسيح ولا يعترف انه ابن الله. فالمسألة ليست مجرد لقب وحسب فمن ينكر أن مريم والدة الاله ينكر تجسد إبن الله. وتعبير والدة الاله باليونانية ثيؤطوكوس قديم جدا في الكنيسة ونجده في كتابات العديد من الآباء، وقد لخص القديس إغريغوريوس اللاهوتي تقليدا طويلا بقوله:
إن إعتقد أحد أن القديسة مريم ليست والدة الاله فقد خرج عن إلوهية المسيح.
وأول من إعترض على هذه التسمية هو نسطور بطريرك القسطنطينية سنة 428 والذى ظهر ببدعته، وأطلق عبارته الشريرة "إنى أعترف موقنا أن كلمة الله هو قبل كل الدهور، إلا إنى أنكر على القائل بأن مريم والدة الاله، فذلك عين البطلان".
ففي العاشر من شهر أبريل عام 428م رسم نسطور الكاهن بإنطاكية وتلميذ تيؤدور أسقفا على القسطنطينية. وقد أعتاد أن يستخدم لقب خريستوكوس (والدة المسيح) للقديسة مريم وليس "ثيؤتوكوس"، لكن ملامح المعركة وضحت تماما عندما قام أحد كهنته يسمى أنسطاسيوس الذي جاء به من أنطاكية يعظ أمامه في ديسمبر عام 428 م قائلا:
"ليته لا يسمي أحد مريم " ثيؤتوكوس"، لأن مريم لم تكن إلا امرأة، ومن المستحيل يولد الله من امرأة".
وقد أكد نسطور نفسه هذا التعليم علانية، مقدما في عظاته تمييزا بين الإنسان يسوع المولود من مريم وابن الله الذي سكن فيه. في رأيه يوجد شخصان في المسيح: ابن مريم وابن الله، اتحدا معا اتحادا معنويا ولا أقنوميا. فالمسيح لا يسمى " الله" بل حامل الله " ثيؤبورون" على نفس المستوى الذي دعي إليه القديسون بالنعمة الإلهية التي توهب لهم هكذا فإن مريم لم تكن أما الله بل للإنسان يسوع الذي سكن فيه الله الرأس.
انتقد نسطور وأتباعه المجوس لأنهم سجدوا أمام الطفل يسوع، ونادوا بأن اللاهوت قد أنفصل عن الناسوت في لحظة الصلب.
وكان نسطور يظن ان للمسيح طبيعتان وشخصان إله وإنسان وحيث ان العذراء مريم بوصفها إنسانة ولدت الطبيعة الإنسانية فهي تدعى أم يسوع وليست أم الله أو والدة الإله وقد تصدى له البابا كيرلس الأول الكبير الملقب بعمود الدين البابا 24 مؤكدا أن تلقيب القديسة مريم بوالدة الإله ضرورة لاهوتية تحتمها حقيقة التجسد الإلهي فالتجسد في الإيمان الارثوذوكسى هو اتحاد كامل بين الطبيعيتين فالمولود من العذراء هو ابن الله المتجسد وليس مجرد إنسان: وشرح هذا المثل: كما ان الروح والجسد ينشأن كلاهما داخل المرأة مع أن الروح لا يمكن ان تكون وليدة المرأة هكذا الكلمة المتجسد نما ناسوته داخل العذراء ومع ذلك فجسده لم يكن مجرد جسد إنسانى ولكنه جسد متحد بالكلمة ولو أن هذا الجسد لم يكن سوى أداة لكان شبيها بأجساد موسى وغيره من الأنبياء إنما كان اتحاد كامل بين طبيعيتين بلا امتزاج ولا اختلاط ولا تغيير.
ولا نقول بالطبع ان الله الكلمة اخذ بدايته من جسد العذراء حاشا لانه موجود منذ الأزل فالكتاب المقدس يقول " فى البدء كان الكلمة.... فاقنوم الابن له ميلاد أزلي مع الآب وميلاد آخر زمنى من أحشاء العذراء مريم، حسب الآية القائلة: "ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولود من امرأة مولودا تحت الناموس" (غلاطية 4: 4).
ولكن تجاسر نسطور لكى ينال من المقام الرفيع للسيدة العذراء، وكأنه يرفض اختيار الرب، ويريد أن يجرد الخلاص من سره العظيم، الا وهو اتحاد اللاهوت بالناسوت اتحادا كاملا دون انفصال. وكشأن كل بدعة، إنضم تحت لواء فكر نسطور كثيرون ممن يجرون وراء البراهين الفلسفية الباطلة، كان منهم علمانيون ورهبان واكليركيون... وما ان بلغت هذه البدعة مسامع البابا كيرلس الاول، حتى تصدى لها بقوة، مبتدئا بمراسلة صاحبها نسطور ومن تبعه، وكان ذلك فى عيد الفصح، فرجع المصريون الذين تبعوه عن هذا الفكر العقيم، واستطاع المصريون المقيمون فى القسطنطينية نفسها ان يرجعوا شعبها الى الايمان المستقيم.
بلغ ذلك إلى مسامع القديس كيرلس بابا الإسكندرية، فانتهر فرصة كتابة الرسالة الفصحية السنوية عام 429م ليكتب دون أي تلميح إلى شخص نسطور مؤكدا التعليم الخاص بالتجسد في عبارات واضحة وبسيطة، موضحا اتحاد ناسوت السيد المسيح الحقيقي الحقاني الكامل بلا هوته في الشخص الإلهي الواحد.
وبعد أربعة شهور كتب رسالة أخرى إلى الرهبان في ذات الشأن بلغت هذه الرسائل مسامع نسطور فأثارت غضبه جدا، وطلب من شخص يسمى Photius أن يجيب عليها.
أرسل القديس كيرلس إلى نسطور رسالتين يوضح فيهما طبيعة السيد المسيح كابن الله المتجسد، شخص واحد... معلنا أنه الله من حق القديسة مريم أن تدعى " ثيؤتوكوس".
وفي رسالته الثانية كتب هكذا:
"لسنا نقول بأن الكلمة صار جسدا بالتحول، فهو لم يتحول إلى إنسان كامل بنفس وجسد، بل الحرى أتحد الكلمة أقنوميا بطريقة غير موصوفة ولا مدركة بالجسد الحي بنفس عاقلة، وهكذا صار إنسانا ودعي ابن الإنسان...
كما أنه لم يولد أولا من العذراء القديسة كإنسان عادي وبعد ذلك نزل عليه
" الكلمة"، الحرى أتحد " الكلمة" بالجسد في الأحشاء ذاتها...
لهذا السبب دعي " الآباء القديسون" بثقة العذراء القديسة " ثيؤتوكوس"، لا بمعنى أن طبيعة الكلمة أو اللاهوت قد تقبل بدءا جديدا من العذراء القديسة، بل يقال أنه ولد منها حسب الجسد مادامت نفسه العاقلة التي تحيي الجسد أتحد بها الكلمة أقنوميا مولودا منها.
هكذا كتب إليك بدالة الحب التي لي في المسيح، متوسلا إليك كأخ محملا إياك المسئولية أمام السيد المسيح وملائكته المختارين أن تفكر وتعلم معنا هكذا لحفظ سلام الكنائس ورباط الحب والمودة القائم بين كهنة الله".
بعد هذا أنعقد مجمع محلي بالإسكندرية بعث رسالة مجمعية إلى نسطور يوضح ذات التعاليم التي وردت برسائل القديس كيرلس، مذيلة بما يسمى " الأثنى عشر بندا أو الأثنى عشر حرمانا".
جاء في الحرمان الأول: "من لا يتعرف بأن عمانوئيل هو الله حقا، وبالتالي فإن القديسة العذراء هي " الثيؤتوكوس" إذ ولدت كلمة الله المتجسد حسب الجسد فليكن محروما".
وبعد أن أرسل القديس البابا كيرلس رسالة الى نسطور يشرح له فيها الايمان المستقيم فأرسل له هذا برد ملئ تكبرا واحتقارا، مؤيدا كلامه بأن العائلة المالكة بالقسطنطينية تؤيده.
وهنا ارسل البابا السكندرى رسائل للأمبراطور وافراد العائلة المالكة يوضح لهم الامر.. ثم توافق رأى القديس كيرلس مع رأى بابا روما وغيرهما فى ضرورة عقد مجمع لمحاكمة نسطور، ودعا اليه الامبراطور بنفسه، بقوة الرب التى تحركت داخله، وكان هذا المجمع فى مدينة افسس سنة 431م، وحضر من مصر 50 أسقف برئاسة البابا كيرلس، واصطحب معه القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين، حيث حكم فيه بنفى نسطور الى مدينة اخميم بمصر ليكون تحت مراقبة الانبا شنودة.
واضيفت تبعا لذلك الفقرة السابقة لقانون الايمان النيقاوى، والتى سميت ب " بدء قانون الايمان " تأكيدا على امومة السيدة العذراء للإله الكلمة المتجسد.. يتلوها جميع المصليين فى جميع الكنائس والمنازل فى انحاء العالم.
لقد وقف القديس كيرلس السكندري في بازيليكا والدة الإله (عام 431) يتحدث أمام آباء مجمع أفسس، قائلا: "السلام لمريم والدة الإله، كنز العالم كله الملوكي، المصباح غير المنطفئ، إكليل البتولية، صولجان الأرثوذكسية، الهيكل غير المفهوم، مسكن غير المحدود، السلام لك، يا من حملت غير المحوي في أحشائك البتولية المقدسة".
في الحقيقة الصراع الذي قام بين القديس كيرلس الإسكندري ونسطور لم يقم أساسا حول لقب القديسة مريم "الثيؤتوكوس" بل حول شخص السيد المسيح نفسه وأننا نستطيع أن نلخص الظروف التي دفعت القديسة كيرلس ليدخل هذا النزاع هكذا.
مريم العذراء و النسطورية: مجمع أفسس المسكونى الثالث سنة 431
في الثاني والعشرين من شهر يونيو عام 431م انعقد المجمع المسكوني الثالث بأفسس تحت رئاسة البابا كيرلس، الذي جرد نسطور من الكهنوت وحرمه، كما قرأت الرسالة التي وجهها القديس كيرلس لنسطور، ووافق على الحر ومات الأثنى عشر، وأدان المجمع رأى نسطور في شخص السيد المسيح، وثبت بكل وقار لقب "الثيؤتوكوس".
فقد فرق نسطور بين الإنسان يسوع المولود من مريم و ابن الله الساكن فيه فى رأيه كان يوجد شخصان فى المسيح: ابن مريم وابن الله اتحدا معا اتحادا معنوياً لا اقنومياً
واستنتج من ذلك ان السيدة العذراء هى أم للطبيعة الناسوتية وهى ليست والدة الإله و إنما كانت مستودع لله و إنها ولدت المسيح... و بناءً على هذا الاعتقاد أنحرف أريوس إلى فصل طبيعة السيد المسيح اللاهوتية عن طبيعته الناسوتية و جعل للمسيح طبيعتين (بدعة الطبيعتين و المشيئتين)
وقد وضع البابا كيرلس الأول عامود الدين حرمانا لكل من قال ان العذراء ليست هى والدة الإله وان عمانوئيل هو الله حقا يكون محروما، و قد تم وضع مقدمة قانون الأيمان فى هذا المجمع.
وقد أعلن المجمع المسكونيّ الثالث الذي انعقد في مدينة أفسس عام 431 أنّ مريم والدة يسوع المسيح هي حقّاً "والدة الإله". واعتبر الآباء القدّيسون بالمجمع أنّ هذا التعبير "والدة الإله" يتضمّن محتوى عقائديّاً على مستوى اللاهوت والإيمان المسيحيّ القويم. ولا تكتمل أرثوذكسيّة المؤمن وصحّة إيمانه من دون الاعتراف بأنّ مريم قد ولدت الإله نفسه الكائن منذ الأزل لدى الله الآب. مريم لم تلد بشراً كسائر البشر، فأتى الله وسكن فيه. بل ولدت الإله، فأعطته الجسد بعد أن سكن في أحشائها ما تقتضيه الطبيعة من وقت. لذلك، عقيدة "والدة الإله" ليست عقيدة مريميّة تختصّ بمكانة مريم في الإيمان الأرثوذكسيّ. إنّما هي، بالأحرى، عقيدة مسيحية متعلّقة بشخص يسوع المسيح وتدبيره الخلاصيّ من أجل البشر. ويجدر التنويه هنا إلى أنّ الكنيسة، وفي هذا السياق تحديداً، لم ترفع إلى مستوى العقيدة سوى ما يختص بالله، الآب والابن والروح القدس.
في الواقع، درج الآباء قبل مجمع أفسس بوقت طويل على إطلاق اسم "والدة الإله" على مريم. ولائحة المراجع طويلة، نكتفي بالإشارة إلى بعضها الأهمّ.
فمن أولى الشهادات ما ورد في إحدى رسائل القدّيس ألكسندروس بطريرك الإسكندريّة، حيث جاء:
"فقد لبس المسيح في الحقيقة، لا في المظهر، جسداً اتّخذه من مريم والدة الإله".
القدّيس أثناسيوس الرسولى
إنّ الكلمة هو نفسه قد وُلد بالجسد من مريم والدة الإله.
القدّيس غريغوريوس النزينزيّ (389م)
إنْ كان أحد لا يؤمن أنّ القدّيسة مريم هي والدة الإله، فهو غريب عن الله.
لقد سقنا هذه الأقوال لكي نقول إنّ إعلان عقيدة ما في الكنيسة لا ينشأ من العدم. بل إنّ إعلان العقيدة يأتي ردّاً على تعاليم منحرفة، وعلى هرطقات تشاء ضلال المؤمنين. فالعقيدة ليست سوى التأكيد على ما تناقلته الكنيسة من إيمان سليم استلمته من الأجداد والآباء وبدورها ستسلمه إلى الأبناء.
وهذا تماماً ما حصل مع نسطوريوس، بطريرك القسطنطينيّة (428م)، إذ رفض الإقرار بأنّ مريم "والدة الإله" بعد أن اعترفت الكنيسة بذلك، وأدخلت هذا الاسم في نصوص عباداتها وكتبها. فكان أن اجتمعت الكنيسة في المجمع المسكونيّ الثالث وذكّرت بإيمانها المستودع منذ أيّام الرسل.
رفض نسطوريوس الاعتراف بإمكانيّة أن تلد مريمُ الإنسانةُ المخلوقةُ إلهاً هو خالقها، بالإضافة إلى أنّه ميّز في شخص يسوع المسيح بين كائنَين، إلهيّ وإنسانيّ، قائلاً إنّ مريم وَلدت الإنسان يسوع الذي حمل الإله، وحاشا أن تلد الإله. ففيما يختصّ بمريم العذراء، إذاً، يقول نسطوريوس إنّها "والدة المسيح الإنسان"، وليست والدة الكلمة الإله. لذلك، ينبغي أن ندعوها "والدة المسيح"، لا "والدة الإله". وهذا ما رفضته الكنيسة بقوّة، إذ قالت بعدم جواز الفصل في يسوع المسيح بين شخصين، إلهيّ وإنسانيّ. فيسوع كائن واحد إلهيّ اتّخذ الطبيعة الإنسانيّة كاملة، ولم ينفصل البتّة عن الألوهة، وإنْ للحظة واحدة.
واجه القدّيس كيرلس الإسكندري (444م) بدعة نسطوريوس بحزم شديد، فاعتبر أنّ رفض القول بأنّ مريم "والدة الإله" ينتج منه رفض وحدة الشخص في يسوع المسيح. وكيرلّس لم يتوانَ عن التأكيد على أنّ يسوع الإنسان هو نفسه كلمة الإله. لذلك يمكن القول إنّ "ابن الله وُلد من مريم" بحسب طبيعته البشريّة، وإنّ "ابن مريم قد خلق الكون" بحسب طبيعته الإلهيّة. وانطلاقاً من هذا المبدإ يصح القول حقّاً "إنّ مريم والدة الإله"، لأنّ الشخص الذي وُلد منها هو نفسه ابن الله الكائن منذ الأزل مع الله والذي صار إنساناً لأجل خلاص البشر.
انعقد المجمع المسكونيّ الثالث وأدان تعاليم نسطوريوس وآراءه اللاهوتيّة غير الموافقة لإيمان الكنيسة، وتبنّى تعاليم كيرلّس. ومن أبرز ما جاء في تحديدات المجمع اللاهوتية: "بما أنّ العذراء القدّيسة قد وَلدت بالجسد الإله الذي صار واحداً مع الجسد بحسب الطبيعة، فإنّنا ندعوها والدة الإله". وكما قلنا، فالتحديد المجمعيّ يتوسّع أكثر في شأن شخص يسوع المسيح والتأكيد على أنّه شخص واحد، فيقول الآباء المجمعيّون: "إنّما نعترف بمسيح واحد هو الكلمة المولود من الآب، وهو الذي اتّخذ جسداً (...) ليس إنّ إنساناً اعتياديّاً وُلد من مريم العذراء ثمّ حلّ عليه الكلمة (...) ولكنّه مع اتّخاذه لِذاته جسداً بقي كما كان إلهاً".
في عام 433م وضع لاهوتيّو الكنيسة الأنطاكيّة نصّاً دعي "قانون الوحدة"، لأنّه أعاد الوحدة الكنسيّة بعد الاضطرابات التي سبّبها التعليم النسطوري الخاطئ. فأعاد "قانون الوحدة" التأكيد على مقرّرات المجمع المسكونيّ الثالث، ومن أبرز ما جاء في هذا القانون: "لا نعترف إلاّ بمسيح واحد وابن واحد وربّ واحد. وبسبب هذا الاتّحاد (بين الطبيعتين الإلهيّة والإنسانيّة) المنزّه عن الاختلاط، نعترف بأنّ العذراء القدّيسة هي والدة الإله، لأنّ الإله الكلمة صار فيها جسداً، أي صار إنساناً".
يجد اسم "والدة الإله" جذوره في الكتاب المقدّس، ولا سيّما في قول أليصابات وهي حامل بيوحنّا المعمدان، حين زارتها مريم نسيبتها وهي حامل بيسوع: "من أين لي هذا أن تأتي أمّ ربّي إليّ" (لوقا 1: 43). فيسوع المسيح هو "الربّ"، فإذا كان المسيح هو الربّ، فأمّ الربّ هي "والدة الإله".
اللاهوت فى فكر العذراء مريم:
(إذا كان نسطور وهو الأسقف) الدارس للاهوت... قد بعد عن الفكر الصحيح، وضل عن التعليم الصحيح، وهو فى القرن الخامس الميلادى، ونادى بأن السيد المسيح كان إقنومين: ذات إلهية تعلو على الآلام الإنسانية، وذات إنسانية عرضة للآلام والموت، ومن ثم يكون قد فصل بين اللاهوت والناسوت فى شخص السيد المسيح. فإن السيدة العذراء وهى أم المسيح، وأقرب الناس إليه، وهى الفتاة الصغيرة البسيطة، التى لم تدخل مدرسة للاهوت، كانت معلمة للاهوت، ولكن نسطور لم يفهم شيئا من حديث العذراء مع الملاك جبرائيل، أو مع نسيبتها أليصابات، هذه الأحاديث برغم بساطتها كانت مليئة بفكر واعى متقدم، فيه الكثير عن اللاهوت.
وطالما أن بدعة نسطور قد مست السيدة العذراء، التى أخذ منها السيد المسيح جسده، فلابد أن نقترب من السيدة العذراء، لنتعلم منها الكثير عن اللاهوت فى فكرها نحو إبنها الحبيب، فالبطن التى حملت باللاهوت، كانت صاحبة عقل عرف اللاهوت ووعاه ولروح ابتهجت بحضور اللاهوت.
وقال القديس أوغسطينوس:
ان كان لم يوجد من هو كفء لفهم أمك، فمن الذى يمكنه أن يفهمك أنت؟.
واللاهوت يعنى شيئين: الأول طبيعة الله نفسه، والثانى العلم الذى يتحدث عن الله والإلهيات. والذين يبحثون فى هذا العلم يلقبون "لاهوتيون". ولقد شدى القديس غريغوريوس الثيئولوغوس بهذا الإنعام الذى حباه الله للإنسان، للتعرف على خالقه فقال: "أعطيتنى علم معرفتك". والعذراء مريم كانت تحمل اللاهوت بمعناه الأول متحدا بالناسوت فى بطنها. وبالمعنى الثانى كان يمتلىء به عقلها.
لقد نطقت السيدة العذراء بقانون إيمان وضعته أمام المسيحية كلها، قبل قانون الأيمان النيقاوى الذى تردده الكنيسة فى صلواتها كلها وطقوسها جميعها، شارك فى صياغته 668 أسقف: (318 + 150 +200)، واستغرق وضعه 106 سنة، على مدى ثلاثة مجامع مقدسة، فى القرنين الرابع والخامس الميلادى.
فلم تكن العذراء مجرد جسم احتاج السيد المسيح منها جسدا له.
انما أيضا كانت فكرا تمشى بين الناس، وجال بين البشر، لقد عرفت المسيح الذى به حبلت، وعرفت عنه قبلما حبلت به، وعرفت منه كما حملت فيه.
انها أكثر الناس قربا له، فلا غرابة أن تكون أكثرهم دراية ومعرفة عنه. ان حديث العذراء عن الله له مذاق خاص، فترى أن تتكلم عن الله الذى خلقها، أم عن الله الذى ولدته؟.
إن علاقة العذراء بالسيد المسيح له المجد، توضحها هذه الأمثولة التى رواها سفر الخروج عن إمرأة تسمى يوكابد - (أم موسى النبى) – كانت هى أمه، كما كانت هى أمته. ظاهريا كانت إبنة فرعون هى أمه، وكانت يوكابد تناديه أمامها (سيدى موسى)، بينما هو إبنها وفلذة كبدها.
لقد استطاع موسى أن يجمع بين هذين الأمرين، فهو إبن يوكابد، وسيد لها، كما أنها هى أيضا أم وأمة (خادمة) له. وهذا ما رأيناه فى العذراء العبدة والأم، العبدة لأنها مخلوقة، والأم لأنها والدة.
دعت السيدة العذراء إلهها فى تسبحتها بألقاب مقدسة ثلاثة هى: (الرب. الله. القدير).
وذلك عندما قالت: " تسبح نفسى الرب، وتبتهج روحى بالله مخلصى، لأن القدير صنع بى عظائم"، وهذه الألقاب الثلاثة هى ذات الكلمات والأسماء الثلاثة التى أطلقت على الله فى العهد القديم، فقد دعى بإسم:
- يهوة = الرب
- إيلوهيم = الله
- أدوناى = أى صاحب القدرة.
نلاحظ أن هذه الأسماء الثلاثة صارت من أسماء السيد المسيح له المجد، ومن القابه:
+ الرب:
- (1 كو 8: 6) لنا رب واحد يسوع المسيح الذى منه جميع الأشياء.
- (رؤيا 17: 14) لأنه رب الأرباب وملك الملوك.
- (لو 1: 43) من أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلى.
- (لو 2: 11) ولد لكم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب.
+ الإله:
- (أشعياء 7: 14)، (متى 1: 23) هوذا العذراء تحبل وتلد إبنا ويدعى أسمه عمانوئيل (الذى تفسيره الله معنا)".
- (يوحنا 1: 1) فى البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله.
- (يوحنا 20: 26) ربى وإلهى..... قال له يسوع لأنك رأيتنى ياتوما آمنت.
- (1تى 3: 16) وبالأجماع عظيم هو سر التقوى، الله ظهر فى الجسد.
+ القدير:
- (لوقا 1: 49) لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس.
- (تكوين 17: 1) ولما كان ابرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لابرام وقال له: انا الله القدير
- (رؤيا 1: أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كل شيء
- (رؤيا 15: 3) عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شيء. عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين
- (عبرانيين 1: 3) حامل كل الأشياء بكلمة قدرته.
لقد رأت مريم فى الله عشر صور متعددة هى:
(1) كفارته: " وتبتهج روحى بالله مخلصى "
(2) قدرته: " لأن القدير صنع بى عظائم "
(3) عظمته: " صنع بى عظائم "
(4) قداسته: " أسمه قدوس "
(5) رحمته: " ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه "
(6) قوته: " صنع قوة بذراعه "
(7) وداعته: " شتت المستكبرين بفكر قلوبهم "، لقد تلاقى السيد المسيح مع العذراء فى نقطة الأتضاع، فالأمة صارت أما ولكنها أصرت أن تكون أمة ؛ " هوذا أنا أمة الرب ".
( كفايته: " أشبع الجياع خيرات "
(9) حكمته: " إنه كلمة الله، وقوة الله، وحكمة الله "
(10) كلمته: "كما كلم آبائنا".
ففى العذراء فرح ابراهيم، وتهلل اسحق، واغتبط يعقوب.
ان كلمة الله تمت بكل كمال، وبدون نقصان.
والسيد المسيح كما هو رب وإله قدير، دعى أيضا "ابن الإنسان"، على أنه لما كانت ألوهية الإبن قد ثبتت بالدستور الإيمانى الذى أقره مجمع نيقية، ولم يستطع نسطور إنكارها... إلا أنه حاول الطعن بشكل آخر بأن جعل من السيد المسيح إقنومين: ذات إلهية تعلو على الآلام الإنسانية، (الشق الخاص بالسيد المسيح كرب وإله)، وذات إنسانية عرضة للآلام والموت، (الشق الخاص بالسيد المسيح بأبن الإنسان).
قال القديس كيرلس الكبير:
فى أكثر من موضع وفى أكثر من آية يذكر الكتاب المقدس أن المسيح هو إبن الإنسان، لكن فى كل هذه الآيات التى جاءت عن إبن الإنسان كانت تحمل ليس فقط إظهارا لإنسانيته إنما كانت تدل أيضا على لاهوته، الذى لا يستطاع النظر إليه ولا التفكير فيه، وبعض هذه الأيات هى:
(1) من صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء:
(يوحنا 3: 13) وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ.
(2) عندما تحدث عن صلبه ذكر عبارة "إبن الإنسان" فى معنى يقابل تماما لقب إبن الله الوحيد:
(يوحنا 3: 14) وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ 15لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 16لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.
(3) استخدم الرب تعبير ابن الإنسان عن نفسه بصورة إلهية فى حديثه عن مجيئه الثانى فقال:
+ (متى 24: 30-31) 30وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. 31فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ الصَّوْتِ فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا.
+ (متى 13: 41) يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ
ولا يمكن أن تستخدم هذه التعبيرات الا بدلالة لاهوتية، فابن الإنسان هنا يأتى على السحاب فى قوة ومجد، ملائكة الله هم ملائكته، وملكوت الله هو ملكوته، والمختارون الذين اختارهم الله هم مختاروه.
(4) قال السيد المسيح لرؤساء الكهنة الذين حكموا عليه بالصلب:
(متى 26: 64) قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ».
فمزق رئيس الكهنة ثيابه وقال لقد جدف، وما يقصده بالتجديف هو ما قصده السيد الرب باظهار لاهوته مستخدما تعبير أبن الإنسان.
(5) أن دانيال النبى نفسه فى العهد القديم يطلق على السيد المسيح لقب " ابن الإنسان " فى معنى لاهوتى بقوله " وكنت أرى فى رؤيا الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان، أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطانا ومجدا وكهنوتا، لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض ".
(دانيال 7: 9) كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ وُضِعَتْ عُرُوشٌ وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ وَبَكَرَاتُهُ نَارٌ مُتَّقِدَةٌ.
(دانيال 7: 13) وَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنِ اعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ النَّاسِ يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ.
(6) (متى 12: فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضاً».
(7) (متى 12: 40) لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ هَكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ.
( (متى 13: 37) اَلزَّارِعُ الزَّرْعَ الْجَيِّدَ هُوَ ابْنُ الإِنْسَانِ.
لماذا أطلق المسيح على نفسة لقب إبن الإنسان؟
عندما أخطأ الإنسان وحكم عليه بالموت، كان لابد أن يموت لكى يكون الله صادقا وعادلا، ومن الناحية الأخرى كان يليق أن يحيا الإنسان لأن هذا يتمشى مع رحمة الله وحكمته، وكان هذا الإنسان عاجزا عن إيفاء الله حقه من العدالة لأنه محدود لا يستطيع أن يوفى العقوبة غير المحدودة، وأيضا لأنه خاطىء... لذلك أخذ الرب شكل العبد، وصار فى الهيئة كإنسان، وشاء أن يولد من هذا الإنسان عينه، وهكذا دعا نفسه: " ابن الإنسان "، ولم يدع نفسه " ابن فلان " من الناس، لأنه فى موقف النائب عن الإنسان كله، عن البشرية عموما.
وبعد، فالسيدة العذراء (وهى أقرب الناس إلى السيد المسيح)، قدمت لنا درسا رائعا عن اللاهوت الذى لا ينفصل عن الناسوت فى شخص السيد المسيح، كما أن السيد المسيح فى أحاديثه أكد وحدانية المعنى فى القاب – ابن الله، وابن الإنسان - والأنبياء فى العهد القديم أكدوا ذلك، وأول الشهداء فى العهد الجديد (أسطفانوس) رأى ابن الإنسان جالسا عن يمين أبيه.
فما هى حجة نسطوريوس بعد كل هذه التأكيدات، حتى يشط بعقله البشرى، وتستهويه فتنة أفكاره الخاصة، فزاغ عن الحق الإلهى، وطلع علينا بهرطقته... وبسببها تم عقد مجمع أفسس (المجمع المسكونى الثالث).
ولكن الله رتب الدواء مع ظهور الداء، فى شخص البابا السكندرى البابا كيرلس الكبير
تمجيد والدة الإله فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
يعترض البعض قائلاً:
هل يجوز تمجيد العذراء؟ أليس المجد لله. ونحن نقول له: "لك المجد".
لماذا إذن نمجد العذراء؟
ونقول في ترتيلنا "مجد مريم يتعظم". "ملكوها في القلوب"..؟
الرد:
المجد الذي يختص به الله وحده، هو مجد الإلوهية.
وهو الذي قال عنه "مجدي لا أعطيه لآخر"
ولكن الله يمجد أبناءه ورسله ومختاريه وشهداءه بأنواع أمجاد كثيرة.
وقد قيل:
أن الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم. وهؤلاء دعاهم.. وبررهم.. وهؤلاء مجدهم أيضاً (رومية 8: 30)
كذلك فإن الرب قد وهب المجد، لكل من يتألم من أجله. وينطبق هذا على الشهداء والمعترفين، ومن يتحملون الألم في الخدمة.
وهكذا قيل: "إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد أيضاً معه" (رومية 8: 17)
بل ما أعجب قول السيد المسيح للآب عن رسله: "وأنا أعطيهم المجد الذي أعطيتني" (يوحنا 17: 22)
فإن كان هذا قد قيل عن التلاميذ، ألا يليق المجد بالسيدة العذراء التي هي أم روحية لكل هؤلاء؟.. بل هي أم لمعلمهم وربهم..
على أن المجد الذي يُقدم للسيدة العذراء وللآباء الرسل وللشهداء لا يمكن أن يعتبر انتقاصاً من مجد الله الذي قال لتلاميذه: "من يكرمكم يكرمني". إن الله قد خلق الإنسان للمجد. وأول مجد منحه الله لنا أنه خلقنا كشبهه على صورته ومثاله (تكوين 1: 26-27)
ثم هناك مجد آخر منحه الله للكهنوت.
وهكذا قال الرب لموسى عن هرون أخيه رئيس الكهنة
"اصنع ثياباً مقدسة لهرون أخيك للمجد والبهاء" (خروج 28: 2). وبالمثل قال عن أبناء هرون الكهنة".. وتصنع لهم قلانس للمجد والبهاء" (خروج 2 40)
ألا يليق بنا إذن أن نمجد العذراء، الملكة القائمة عن يمين الملك (مز45: 9)، التي جميع الأجيال تطوبها (لوقا 1: 48)؟
مواضيع مماثلة
» بتولية مريم العذراء فى كتب أبوكريفا
» بتولية مريم العذراء فى التاريخ
» بتولية مريم العذراء فى عقيدة البروتستانت
» عظة عن فضائل العذراء
» فضائل السيدة العذراء
» بتولية مريم العذراء فى التاريخ
» بتولية مريم العذراء فى عقيدة البروتستانت
» عظة عن فضائل العذراء
» فضائل السيدة العذراء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت أغسطس 20, 2016 12:23 pm من طرف raafat202010
» مديحة الصلبوت للمتنيح القمص سمعان فيلبس
الخميس سبتمبر 04, 2014 10:02 am من طرف raafat202010
» برنامج خطوة لقدام للدكتور أوسم وصفي الحلقة الاولي
السبت يونيو 14, 2014 12:44 pm من طرف Admin
» مسئوليتك تجاه نفسك كخادم (1تيمو4:12-16)
الجمعة مايو 16, 2014 12:33 pm من طرف Admin
» الحان القيامة لخورس الكلية الاكليريكية
الثلاثاء مايو 13, 2014 4:29 pm من طرف bent elmalek
» كتاب قصص قصيرة الجزء الثالث لابونا تادرس يعقوب
الثلاثاء أبريل 29, 2014 8:18 pm من طرف albaron
» برنامج يحتوي علي كتب قداسة البابا شنودة
الثلاثاء أبريل 29, 2014 8:13 pm من طرف albaron
» هل حقا قام لابونا تادرس يعقوب
السبت أبريل 19, 2014 1:34 pm من طرف Admin
» كتاب وقام في اليوم الثالث لابونا انطونيوس فهمي
السبت أبريل 19, 2014 1:29 pm من طرف Admin